لاَ يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا ، وَلاَ يَجْتَرِؤُونَ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ بِائِقَتُهُ ، وَصُلْحٌ لاَ تُخْشَى غَائِلَتُهُ .
وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ ، وَفِي حَوَاشِي بِلاَدِكَ . وَاعْلَمْ - مَعَ ذلِكَ - أَنَّ فِيكَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً ، وَشُحّاً قَبِيحاً ، وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ ، وَذلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ ، وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلاَةِ ، فَامْنَعْ مِنَ الاْحْتِكَارِ ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَنَعَ مِنْهُ . وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ ، وَأَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ . فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ ، وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ .
الشّرْحُ:
خرج عليه السلام الآن إلى ذكر التّجار وذوي الصناعات ؛ وأمَرَه بأن يعمل معهم الخير ، وأن يُوصِيَ غيره من أُمرائه وعمّاله أن يعملوا معهم الخير . واستوصِ بمعنى « أوص» نحو قَرَّ في المكان واستقرّ ، وعلا قِرْنَه واستعلاه . وقوله : «استوصِ بالتجّار خيرا» ، أي أوصِ نفسك بذلك ، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم«استوْصوا بالنّساء خيراً» ؛ ومَفْعولا «استوصِ وأوصِ» هاهنا محذوفان للعلم بهما ، ويجوز أن يكون «استوصِ» ، أي اقبل الوصيّة منّي بهم ، وأوصِ بهم أنتَ غيرك .
ثمّ قسّم عليه السلام الموصّى بهم ثلاثة أقسام : اثنان منها للتجّار ، وهما المقيم ، والمضطرب ، يعني المسافر . والضّرب : السيرُ في الأرض ؛ قال تعالى : «إذَا ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ»۱ .
وواحد لأرباب الصناعات ، وهو قوله : «والمترفّق ببدنه» ، ورُوِي «بيديه» ، تثنية يد . والمَطارِح : الأماكن البعيدة . وحيث لا يلتئم الناس : لا يجتمعون ، ورُوِي «حيث لا يلتئم » ؛ بحذف الواو .
ثم قال : «فإنّهم أولو سِلْم» ، يعني التجّار والصناع ، استعطفه عليهم ، واستماله إليهم ، وقال : ليسوا كعمال الخراج وأُمراءِ الأجناد ، فجانبُهم ينبغي أن يراعي ، وحالُهم يجب أن