الشّرْحُ:
انتقل من التجّار وأرباب الصّناعات إلى ذكر فقراء الرعيّة ومَغْموريها ، فقال : وأهل البؤسَى ، وهي البؤسُ كالنُّعمى للنّعيم ، والزَّمْنى أُولو الزَّمانة . والقانع : السائل ؛ والمعترّ : الّذي يَعرِض لك ولا يسألك ، وهما من ألفاظ الكتاب العزيز ۱ . وأمَره أن يعطيَهم من بيت مال المسلمين ؛ لأنّهم من الأصناف المذكورين في قوله تعالى : «واعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فأنَّ للّهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى والْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ»۲ ، وأن يُعطِيَهم من غلاّت صوافي الإسلام ـ وهي الأرَضون الّتي لم يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب ـ وكانت صافية لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .
ثم قال له : «فإنّ للأقصى منهم مثل الّذي للأدنى» ، أي كلّ فقراء المسلمين سواء في سهامهم ، ليس فيها أقصى وأدنى ، أي لا تُؤثِر مَنْ هو قريب إليك أو إلى أحدٍ من خاصّتك على مَنْ هو بعيد ليس له سببٌ إليك ، ولا علْقة بينه وبينك . ويمكن أن يريد به : لا تَصِرف غلاّت ما كان من الصّوافي في بعض البلاد إلى مساكين ذلك البلد خاصّة ، فانّ حقّ البعيد عن ذلك البلد فيها كمثل حقّ المقيم في ذلك البلد .
والتافه : الحقير . وأشخصتُ زيداً من موضع كذا : أخرجتُه عنه . وفلان يصعِّر خدَّه للناس ، أي يتكبّر عليهم . وتقتَحِمه العيون : تزدَريه وتحتقِرُه . والإعذار إلى اللّه : الاجتهاد والمبالغة في تأدية حقّه ، والقيام بفرائضه .
وكان لأمير المؤمنين عليه السلام بيتٌ سمّـاه بيتَ القِصَص ، يُلقي الناسُ فيه رقاعَهُم .
الأصْلُ:
۰.وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً ، فَتَتَواضَعُ فِيهِ للّهِ الَّذِي خَلَقَكَ ، وَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ ؛ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِصَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ : «لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ