305
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

انتقل من التجّار وأرباب الصّناعات إلى ذكر فقراء الرعيّة ومَغْموريها ، فقال : وأهل البؤسَى ، وهي البؤسُ كالنُّعمى للنّعيم ، والزَّمْنى أُولو الزَّمانة . والقانع : السائل ؛ والمعترّ : الّذي يَعرِض لك ولا يسألك ، وهما من ألفاظ الكتاب العزيز ۱ . وأمَره أن يعطيَهم من بيت مال المسلمين ؛ لأنّهم من الأصناف المذكورين في قوله تعالى : «واعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فأنَّ للّهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى والْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ»۲ ، وأن يُعطِيَهم من غلاّت صوافي الإسلام ـ وهي الأرَضون الّتي لم يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب ـ وكانت صافية لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .
ثم قال له : «فإنّ للأقصى منهم مثل الّذي للأدنى» ، أي كلّ فقراء المسلمين سواء في سهامهم ، ليس فيها أقصى وأدنى ، أي لا تُؤثِر مَنْ هو قريب إليك أو إلى أحدٍ من خاصّتك على مَنْ هو بعيد ليس له سببٌ إليك ، ولا علْقة بينه وبينك . ويمكن أن يريد به : لا تَصِرف غلاّت ما كان من الصّوافي في بعض البلاد إلى مساكين ذلك البلد خاصّة ، فانّ حقّ البعيد عن ذلك البلد فيها كمثل حقّ المقيم في ذلك البلد .
والتافه : الحقير . وأشخصتُ زيداً من موضع كذا : أخرجتُه عنه . وفلان يصعِّر خدَّه للناس ، أي يتكبّر عليهم . وتقتَحِمه العيون : تزدَريه وتحتقِرُه . والإعذار إلى اللّه : الاجتهاد والمبالغة في تأدية حقّه ، والقيام بفرائضه .
وكان لأمير المؤمنين عليه السلام بيتٌ سمّـاه بيتَ القِصَص ، يُلقي الناسُ فيه رقاعَهُم .

الأصْلُ:

۰.وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً ، فَتَتَواضَعُ فِيهِ للّهِ الَّذِي خَلَقَكَ ، وَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ ؛ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِصَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ : «لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ

1.وهو قوله تعالى في سورة الحج ۳۶ : «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ والمُعْتَرَّ» .

2.سورة الأنفال ۴۱ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
304

يُحاط ويُحمَى ، إذ لا يتخوّف منهم بائقة لا في مال يخونون فيه ، ولا في دَوْلة يُفسِدونها . وحواشي البلاد : أطرافها .
ثم قال له : قد يكون في كثير منهم نوعٌ من الشحّ والبُخْل فيدعوهم ذلك إلى الاحتكار في الأقوات ، والحَيْف في البياعات . والاحتكار : ابتياع الغلاّت في أيام رخصها ، وادّخارها في المخازن إلى أيام الغلاء والقَحْط . والحَيْف : تطفيفٌ في الوزن والكيل ، وزيادةٌ في السعر ، وهو الذي عبّر عنه بالتحكّم ، وقد نهى رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلمعن الاحتكار ؛ وأمّا التطفيف وزيادة التَّسْعير فمنهيٌّ عنهما في نص الكتاب . وقارَفَ حُكْرة : واقعها ، والحاء مضمومة ، وأمرَه أن يؤدب فاعل ذلك من غير إسراف ، وذلك أنّه دون المعاصي التي توجب الحدود ، فغاية أمرِه من التعزير الإهانة والمنع .

الأصْلُ:

۰.ثُمَّ اللّهَ اللّهَ فِيالطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ ، مِنَ الْمَسَاكِينِ وَالُْمحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى ، فإِنَّ فِي هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً . وَاحْفَظْ للّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ ، وَقِسْماً مِنْ غَـلاَّتِ صَوَافِي الاْءِسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَد ، فإِنَّ لِـلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِـلْأَدْنَى ؛ وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ . وَلاَ يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ ، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيع التَّافِهَ لإحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ ؛ فَـلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ ، مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ ، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ ؛ فَفَرِّغْ لِأُولئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُعِ ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ .
ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بَالاْءِعْذَارِ إِلَى اللّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ ، فَإِنَّ هؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الاْءِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ ؛ وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إلَى اللّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ . وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ ، وَذلِكَ عَلَى الْوُلاَةِ ثَقِيلٌ ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ ؛ وَقَدْ يُخَفُهُ اللّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللّهِ لَهُمْ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249855
صفحه از 800
پرینت  ارسال به