مِن بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ ، وَوَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللّهِ سُبْحانَهُ مِنْ ذلِكَ كَامِلاً غَيْرَ مَثْلُومٍ وَلاَ مَنْقُوصٍ ، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ . وَإِذَا قُمْتَ فِي صلاَتِكَ لِلنَّاس ، فَـلاَ تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَلاَ مُضَيِّعاً ، فَإِنَّ فِي النَّاس مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ ؛ وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الَْيمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ ؟ فَقَالَ : «صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ» ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً .
الشّرْحُ:
لمّا فرغ عليه السلام من وصيّته بأُمور رعيّته ، شَرَع في وصيّته بأداء الفرائض التي افترضها اللّه عليه من عبادته ، ولقد أحسن عليه السلام في قوله : «وإن كانت كلها للّه » ، أي أنّ النّظر في أُمور الرعيّة مع صحّة النيّة وسلامة الناس من الظّلم من جملة العبادات والفرائض أيضا . ثم قال له : «كاملاً غيرَ مثلومٍ» ، أي لا يحملنّك شُغْل السلطان على أن تختصر الصّلاة اختصارا ، بل صلّها بفرائضها وسُننها وشعائرها في نهارِك ولَيلِك ؛ وإن أتعبك ذلك ونالَ من بَدَنك وقُوّتك .
ثمّ أمَرَه إذا صلّى بالناس جماعة ألاّ يطيل فينفّرهم عنها ، وألاّ يخدع الصّلاة وينقُصها فيضيّعَها . ثم رَوَى خبراً عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وهو قوله عليه السلام له : «صلّ بهم كصلاةِ أضعفهم» ، وقوله : «وكن بالمؤمنين رحيما» ؛ يحتمل أن يكون من تتمّة الخبر النبويّ ، ويحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، والظاهر أنّه من كلام أميرِ المؤمنين من الوصيّة للأشتر ؛ لأنّ اللفظة الأُولى عند أرباب الحديث هي المشهور في الخبر .
الأصْلُ:
۰.وَأَمَّا بَعْدَ هذا ؛ فَـلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ ، وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ ؛ وَالاْءِحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ ، فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ ، وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ ، وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ ، وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ ؛ وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ ، وَإِنَّمَا