307
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

مِن بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ ، وَوَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللّهِ سُبْحانَهُ مِنْ ذلِكَ كَامِلاً غَيْرَ مَثْلُومٍ وَلاَ مَنْقُوصٍ ، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ . وَإِذَا قُمْتَ فِي صلاَتِكَ لِلنَّاس ، فَـلاَ تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَلاَ مُضَيِّعاً ، فَإِنَّ فِي النَّاس مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ ؛ وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الَْيمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ ؟ فَقَالَ : «صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ» ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً .

الشّرْحُ:

لمّا فرغ عليه السلام من وصيّته بأُمور رعيّته ، شَرَع في وصيّته بأداء الفرائض التي افترضها اللّه عليه من عبادته ، ولقد أحسن عليه السلام في قوله : «وإن كانت كلها للّه » ، أي أنّ النّظر في أُمور الرعيّة مع صحّة النيّة وسلامة الناس من الظّلم من جملة العبادات والفرائض أيضا . ثم قال له : «كاملاً غيرَ مثلومٍ» ، أي لا يحملنّك شُغْل السلطان على أن تختصر الصّلاة اختصارا ، بل صلّها بفرائضها وسُننها وشعائرها في نهارِك ولَيلِك ؛ وإن أتعبك ذلك ونالَ من بَدَنك وقُوّتك .
ثمّ أمَرَه إذا صلّى بالناس جماعة ألاّ يطيل فينفّرهم عنها ، وألاّ يخدع الصّلاة وينقُصها فيضيّعَها . ثم رَوَى خبراً عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وهو قوله عليه السلام له : «صلّ بهم كصلاةِ أضعفهم» ، وقوله : «وكن بالمؤمنين رحيما» ؛ يحتمل أن يكون من تتمّة الخبر النبويّ ، ويحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، والظاهر أنّه من كلام أميرِ المؤمنين من الوصيّة للأشتر ؛ لأنّ اللفظة الأُولى عند أرباب الحديث هي المشهور في الخبر .

الأصْلُ:

۰.وَأَمَّا بَعْدَ هذا ؛ فَـلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ ، وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ ؛ وَالاْءِحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ ، فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ ، وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ ، وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ ، وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ ؛ وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ ، وَإِنَّمَا


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
306

الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ» . ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ ، وَنَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ وَالْأَنَفَ ، يَبْسُطِ اللّهُ عَلَيْكَ بِذلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ ، وَيُوجِبُ لَكَ ثَوابَ طَاعَتِهِ . وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً ، وَامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَإعْذَارٍ .
ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا ؛ إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ ، وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاس عِندَ وَرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ . وَأَمْض لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ ، فإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ .

الشّرْحُ:

هذا الفصل من تتمّة ما قبله ، وقد رُوِي «حتّى يكلّمك مكلِّمهم» ، فاعل من «كلّم» ، والرواية الأُولى أحسن . وغير متتعتع : غير مزعِج ولا مقلق . والمتَتَعْتِع في الخبر النبويّ : المتردّد المضطرب في كلامه عِيّا من خوف لحقه ، وهو راجع إلى المعنى الأوّل . والخُرق : الجهل . ورُوِي : «ثمّ احتمل الخُرق منهم والغَيّ» . والغيّ ، وهو الجهل أيضا ، والرواية الأُولى أحسن .
ثمّ بيّن له عليه السلام أنه لابدّ له من هذا المجلس لأمرٍ آخر غير ما قدّمه عليه السلام ، وذلك لأنّه لابدّ من أن يكون في حاجات الناس ما يضيق به صدور أعوانه ، والنوّاب عنه ، فيتعيّن عليه أن يباشرَها بنفسه ؛ ولابدّ من أن يكون في كتب عمّاله الواردة عليه ما يعيا كتّابه عن جوابه ، فيجيب عنه بعلْمه . ويدخل في ذلك أن يكون فيها ما لايجوز في حُكْم السياسة ومصلحة الولاية أن يطلع الكتّاب عليه ، فيجيب أيضا عن ذلك بعلمه .
ثم قال له : لا تدخِلْ عملَ يومٍ في عمل يومٍ آخر فيُتْعِبك ويُكَدِّرك ؛ فإنّ لكلّ يومٍ ما فيه من العمل .

الأصْلُ:

۰.وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّهِ تَعالى أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ ، وَأَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا للّهِ ؛ إِذَا صَلَحَتْ فيهَا النِّيَّةُ ، وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ .
وَلْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ للّهِ بِه دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتي هِيَ لَهُ خَاصَّةً ، فَأَعْطِ اللّهَ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249814
صفحه از 800
پرینت  ارسال به