323
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

قال : وصارت دائرةُ السَّوْء على رأسِه ، من ألفاظ القرآن العزيز ، قال اللّه تعالى : «عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ»۱ . والدوائر : الدُّوَل .
* وإنّ على الباغي تدورُ الدوائر *
والدائرة أيضا : الهزيمة ، يقال : على مَن الدائرةُ منهما ، والدوائر أيضا الدّواهي .

59

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى الأسود بن قُطْبَةَ صاحب جند حلوانأَمَّا بَعْدُ ، فإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ ، فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاس عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ ، فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ ، وَابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيَما افْتَرَضَ اللّهُ عَلَيْكَ ، رَاجِياً ثوَابَهُ ، وَمُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلاَّ كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْءٌ أَبَداً ، وَمِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ ، وَالاِحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ ، فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ . وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

الّذي يَغلِب على ظنّي أنّه الأسود بنُ زيد بنِ قُطْبة بن غَنْم الأنْصاري من بني عُبَيد بن عَدِيّ . ذَكَره أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ في كتاب «الاستيعاب» ، وقال : إنّ موسى بنَ عُقْبة عدّه فيمن شَهِدَ بَدْرا ۲ .

1.سورة الفتح ۶ .

2.الاستيعاب ۱ : ۹۰ ( طبعة نهضة مصر ) .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
322

ترجع إليها ، وبعد ذلك أتمكّن من قَتَلةِ عثمان بأعيانهم فأقتصَّ منهم ، فأبَوْا إلاّ المكابرَة والمغالبة والحرب . «حتّى جَنَحتْ الحرب ورَكدَت» ، جَنَحت : أقبلتْ ، ومنه : قد جَنَح الليل ، أي أقبل ، ورَكَدت : دامت وثَبتَتْ . «ووَقَدتْ نِيرانُها» ، أي التهبت . «وحَمِشتْ» ، أي استعرَت وشَبّت . ورُوِي : «واستحشَمَت» وهو أصحّ ؛ ومن رواها «حَمَستْ» بالسين المهملة أراد اشتدّت وصَلُبت .
قوله : «فلمّا ضَرّستْنا وإيّاهم» ، أي عضّتْنا بأضراسها ، ويقال : ضَرَسَهم الدهر أي اشتدّ عليهم . قال : لمّا اشتدّت الحرب علينا وعليهم ، وأكلَتْ منّا ومنهم ، عادوا إلى ما كنّا سألناهم ابتداءً ، وضَرَعوا إلينا في رَفْع الحرب ، ورَفَعوا المصاحفَ يسألون النزولَ على حُكمِها ، وإغمادَ السّيف ، فأجبناهم إلى ذلك . قوله : «وسارعْناهم إلى ما طلبوا » كلمةٌ فصيحة ، وهي تَعدِية الفعلِ اللاّزم ، كأنّهما لمّا كانت في معنى المُسابَقة ، والمسابقة متعدّية عدّي المُسارعةَ .
قولُه : « حتّى استبانت » ، يقول : استمرَرْنا على كفّ الحرب ، ووضعِها إجابةً لسؤالهم إلى أن استبانت عليهم حجّتنا ، وبطلتْ معاذيرُهم وشُبْهتُهم في الحرب وشَقّ العصا ، فمن تمّ منهم على ذلك ، أي على انقياده إلى الحقّ بعد ظهوره له ، فذاكَ الّذي خَلّصه اللّهُ من الهلاك وعذابِ الآخرة ، ومن لَجّ منهم على ذلك وتَمادَى في ضلاله فهو الرّاكس ؛ قال قوم : الراكس هُنا بمعنَى المَرْكوس ، فهو مقلوب ، فاعل بمعنى مفعول ، كقوله تعالى : «فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيةٍ»۱ ، أي مرضيّة ، وعندي أنّ اللّفظة على بابها ، يعني أنّ من لجّ فقد رَكَس نفسَه ، فهو الرّاكس ، وهو المركوس ، يقال : ركَسه وأركَسَه بمعنىً ، والكتابُ العزيز جاء بالهمز فقال : «واللّهُ أَركَسَهُم بِمَا كَسَبُوا»۲ ، أي رَدّهم إلى كفرهم ؛ ويقول : ارتَكَس فلان في أمرٍ كان نجا منه ، ورانَ على قلبه ، أي رانَ هو على قلبه ، كما قلنا في الرّاكس ؛ ولا يجوز أن يكون الفاعل ـ وهو اللّه ـ محذوفا ؛ لأنّ الفاعل لا يُحذَف ، بل يجوز أن يكون الفاعلُ كالمحذوف وليس بمحذوف ، ويكون المصدر وهو الرَّيْن ، ودَلّ الفعل عليه كقوله تعالى : «ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَارَأَوُا الآيَاتِ»۳ أي بَدا لهم البداء . ورَانَ بمعنى غَلَب وغَطّى ؛ ورُوِي : «فهو الرّاكس الّذي رينَ على قَلْبه» .

1.القارعة ۷ .

2.سورة النساء ۸۸ .

3.سورة يوسف ۳۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213115
صفحه از 800
پرینت  ارسال به