329
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الاْءِسْلاَمِ ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الاْءِسْلاَمِ الرَّضَائِخُ . فَلَوْلاَ ذلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ وَتَأْنِيبَكُمْ ، وَجَمْعَكُمْ وَتَحْرِيضَكُمْ ، وَلَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَوَنَيْتُمْ .
أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتَقَصَتْ ، وَإِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ ، وَإِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى ، وَإِلَى بِلاَدِكُمْ تُغْزَى!
انْفِرُوا - رَحِمَكُمُ اللّهُ - إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ ، وَلاَ تَثَّاقَلُوا إِلَى الْأَرْض فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ ، وَتَبُوؤُا بِالذُّلِّ ، وَيَكُونَ نَصِيبُكُمُ الْأَخَسَّ ، وَإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْأَرِقُ ، وَمَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ ، وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

طِلاع الأرض : ملؤُها . وآسَى : أحزَن . وأكثرت تأليبَكم : تَحرِيضَكم وإغراءكم به . والتأنيب : أشدّ اللّوم . وونَيْتم : ضَعُفتم وفَترتم . ومَمالِككم تزوَى ، أي تُقبَض . ولا تثّاقلوا بالتّشديد ، أصلُه «تَتَثاقلوا» . وتقرّوا بالخسف : تَعترفوا بالضّيم وتَصبروا له . وتبوءوا بالذلّ : تَرجِعوا به . والأرِق : الّذي لا ينام . ومِثلُ قولِه عليه السلام : «من نام لم يُنَم عنه» قولُ الشاعر :

للّه دَرُّكَ ما أردتَ بثائرٍحرّانَ ليس عن التِّراتِ براقدِ۱
أسهرْتَه ثمّ اضطجَعْت ولم يَنَمحَنَقاً عليك وكيف نَوْمُ الحاقدِ!
فأمّا الذي رُضِخت له على الإسلام الرّضائخ ، فمعاوية ؛ والرّضِيخة : شيء قليلٌ يُعطَاه الإنسان يُصانَع به عن شيء يُطلَب منه كالأجر ، وذلك لأنّه من المؤلَّفة قلوبُهم الّذين رَغِبوا في الإسلام والطاعة بجِمالٍ وشاءٍ دُفِعتْ إليهم ، وهم قومٌ معروفون كمعاوية وأخيه يزيد ، وأبيهما أبي سُفْيان ، وحكيم بن حِزام ، وسُهَيل بن عمرو ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وحُوَيْطِب بن عبد العُزّى ، والأخنَس بن شَرِيق ، وصَفْوان بن أُميّة ، وعُمير بن وهب الجُمَحيّ ، وعُيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، وعبّاس بن مِرْداس وغيرهم ، وكان إسلام هؤلاء للطّمع والأغراض الدنياويّة ، ولم يكن عن أصل ولا عن يقين وعلم .

1.الترات : جمع ترة ؛ وهي الأخذ بالثأر .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
328

المتيقّن بحكم الحال الحاضرة .
قال : «فما راعني إلاّ انثيال الناس» ، تقول للشيء يفْجَؤك بغتَةً : ما راعني إلاّ كذا ، والرَّوْع بالفتح : الفَزَع ، كأنه يقول : ما أفزعني شيءٌ بعد ذلك السكون الذي كان عندي ، وتلك الثقة التي اطمأنَنْتُ إليها إلاّ وقوعُ ما وقع من انثيال الناس ـ أي انصبابهم من كلّ وجه كما ينثال التراب ـ على أبي بكر ، وهكذا لفظ الكتاب الذي كتبه للأشتر ، وإنما الناسُ يكتبونه الآن «إلى فلان» تذمّما من ذكر الاسم كما يكتبون في أوّل الشِقْشِقِيّة : «أما واللّه لقد تقمَّصها فلانٌ» ، واللفظ «أما واللّه لقد تقمّصها ابن أبي قُحافة» .
قوله : «فأمسكتُ بيدي» ، أي امتنعتُ عن بيعته ، حتى رأيت راجعة الناس ، يعني أهل الرّدة كمسيلمة ، وسَجاح وطُليحة بن خويلد ، ومانعي الزكاة ؛ وإن كان مانعوا الزكاة قد اختلف في أنّهم أهل رِدّة أم لا ؟ ومحقُ الدِّين : إبطاله . وزَهَق : خَرَج وزال . تنهنَه : سكن ، وأصله الكفّ ، تقول : نهنهت السبعَ فَتَنَهْنَه ، أي كَفّ عن حركته وإقدامه ، فكأنّ الدّين كان متحرّكا مضطربا فسكن وكفّ عن ذلك الاضطراب .
قلت : هذا هو الحديث الذي أشار عليه السلام إلى أنه نهض فيه أيام أبي بكر . وكأنه جوابٌ عن قول قائل : إنه عمل لأبي بكر ، فبيّن عليه السلام عذرَه في ذلك ، وقال : إنه لم يكن كما ظنّه القائل ، ولكنه من باب دَفْع الضرر عن النفس وعن الدين ، فإنه واجبٌ سواء كان للنّاس إمام أو لمْ يكن .

الأصْلُ:

۰.ومن هذا الكتاب:إِنِّي وَاللّهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ طِلاَعُ الْأَرْض كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلاَ اسْتَوْحَشْتُ ، وَإِنِّي مِنْ ضَلاَلِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ ، لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَيَقِينٍ مِنْ رَبِّي . وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللّهِ لَمُشْتَاقٌ ، وَلحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ ؛ وَلَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هذِهِ الْأُمَّةِ سُفَهَاؤهَا وَفُجَّارُهَا ، فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللّهِ دُوَلاً ، وَعِبَادَهُ خَوَلاً ، وَالصَّالِحِينَ حَرْباً ، وَالْفَاسِقِينَ حِزْباً ؛ فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ ، وَجُلِدَ حَدّاً فِي

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213119
صفحه از 800
پرینت  ارسال به