ولو استقاما على الطريقة لسلِما ، ومن قتله الحق فدمه هَدَر .
وأمّا أمّ المؤمنين عائشة فالذي جَرَى لها كان خطأ منها ، فأيّ ذنب لأمير المؤمنين عليه السلام في ذلك ! ولو أقامت في منزلها لم تُبتذَل بين الأعراب وأهل الكوفة ؛ على أن أمير المؤمنين عليه السلام أكرَمها وصَانها وعظّم من شأنها ، ومَنْ أحب أن يقف على ما فعله معها فليطالع كتب السيرة . ولو كانت فعلتْ بعمر ما فعلتْ به ، وشقّت عصا الأُمّة عليه ، ثم ظفر بها ، لقتلها ومزّقها إرَبا إرَبا ، ولكنّ عليّا كان حليما كريما .
قوله عليه السلام : «وذكرت أنّك زائرِي في جَمْع من المهاجرين والأنصار ، وقد انقطعَت الهجرةُ يوم أُسِر أخوك» ، هذا الكلامُ تكذيبٌ له في قوله : ( في جمعٍ من المهاجرين والأنصار ) ، أي ليس معك مهاجر ؛ لأنّ أكثر من معك ممن رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هم أبناء الطُّلَقَاء ، ومن أسلَم بعد الفتح ، وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «لاهِجرةَ بعد الفَتْح » .
وعبّر عن يوم الفَتْح بعبارة حَسَنة فيها تقريع لمعاوية وأهلِه بالكفر ، وأنّهم ليسوا من ذوي السّوابق ، فقال : «قد انقطعتْ الهجرةُ يومَ أُسِر أخوك» ، يعني يزيد بن أبي سُفيان أُسِرَ يوم الفَتْح في باب الخَنْدَمة ، وكان خَرَج في نفر من قريش يُحارِبون ويَمنَعون من دخول مكّة ، فقُتِل منهم قومٌ وأُسِر يزيدُ بنُ أبي سفيان ، أسرَه خالدُ بنُ الوليد ، فخلّصه أبو سُفيان منه ، وأدخَلَه دارَه ، فأَمِن ؛ لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال يومئذٍ : «من دخل دارَ أبي سُفْيانَ فهو آمِن » .
قوله عليه السلام : «فإن كان فيك عجل فاسترفِه» ، أي كن ذا رَفاهِية ، ولا تُرهِقَنّ نفسك بالعجل ، فلابدّ من لِقاء بعضنا بعضا ، فأيّ حاجة بك إلى أن تعجل . ثمّ فسّر ذلك فقال : إن أزُرْك في بلادك ، أي إن غَزَوتك في بلادِك فخليق أن يكون اللّه بعثني للانتقام منك ، وإن زُرْتَني ـ أي إن غَزَوتني في بلادي وأقبلتَ بجموعك إليّ ، كنتم كما قال أخو بني ۱ أسد ؛ كنت أسمعُ قديما أنّ هذا البيت من شِعْر بشر بن أبي خازم الأسَديّ ؛ والآن فقد تصفّحتُ شعره فلم أجدْه ، ولا وقفتُ بعدُ على قائله ، وإن وَقَفْتُ فيما يُستقبل من الزّمان عليه ألحقته .
وريحٌ حاصِب ، تَحمل الحصْباء ، وهي صِغارُ الحَصَى ، وإذَا كانت بين أغْوار ـ وهي ما سَفُل من الأرض وكانت مع ذلك ريح صَيف ـ كانت أعظمَ مشقّة ، وأشدّ ضَرَرا على مَنْ