335
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

ولو استقاما على الطريقة لسلِما ، ومن قتله الحق فدمه هَدَر .
وأمّا أمّ المؤمنين عائشة فالذي جَرَى لها كان خطأ منها ، فأيّ ذنب لأمير المؤمنين عليه السلام في ذلك ! ولو أقامت في منزلها لم تُبتذَل بين الأعراب وأهل الكوفة ؛ على أن أمير المؤمنين عليه السلام أكرَمها وصَانها وعظّم من شأنها ، ومَنْ أحب أن يقف على ما فعله معها فليطالع كتب السيرة . ولو كانت فعلتْ بعمر ما فعلتْ به ، وشقّت عصا الأُمّة عليه ، ثم ظفر بها ، لقتلها ومزّقها إرَبا إرَبا ، ولكنّ عليّا كان حليما كريما .
قوله عليه السلام : «وذكرت أنّك زائرِي في جَمْع من المهاجرين والأنصار ، وقد انقطعَت الهجرةُ يوم أُسِر أخوك» ، هذا الكلامُ تكذيبٌ له في قوله : ( في جمعٍ من المهاجرين والأنصار ) ، أي ليس معك مهاجر ؛ لأنّ أكثر من معك ممن رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هم أبناء الطُّلَقَاء ، ومن أسلَم بعد الفتح ، وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «لاهِجرةَ بعد الفَتْح » .
وعبّر عن يوم الفَتْح بعبارة حَسَنة فيها تقريع لمعاوية وأهلِه بالكفر ، وأنّهم ليسوا من ذوي السّوابق ، فقال : «قد انقطعتْ الهجرةُ يومَ أُسِر أخوك» ، يعني يزيد بن أبي سُفيان أُسِرَ يوم الفَتْح في باب الخَنْدَمة ، وكان خَرَج في نفر من قريش يُحارِبون ويَمنَعون من دخول مكّة ، فقُتِل منهم قومٌ وأُسِر يزيدُ بنُ أبي سفيان ، أسرَه خالدُ بنُ الوليد ، فخلّصه أبو سُفيان منه ، وأدخَلَه دارَه ، فأَمِن ؛ لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال يومئذٍ : «من دخل دارَ أبي سُفْيانَ فهو آمِن » .
قوله عليه السلام : «فإن كان فيك عجل فاسترفِه» ، أي كن ذا رَفاهِية ، ولا تُرهِقَنّ نفسك بالعجل ، فلابدّ من لِقاء بعضنا بعضا ، فأيّ حاجة بك إلى أن تعجل . ثمّ فسّر ذلك فقال : إن أزُرْك في بلادك ، أي إن غَزَوتك في بلادِك فخليق أن يكون اللّه بعثني للانتقام منك ، وإن زُرْتَني ـ أي إن غَزَوتني في بلادي وأقبلتَ بجموعك إليّ ، كنتم كما قال أخو بني ۱ أسد ؛ كنت أسمعُ قديما أنّ هذا البيت من شِعْر بشر بن أبي خازم الأسَديّ ؛ والآن فقد تصفّحتُ شعره فلم أجدْه ، ولا وقفتُ بعدُ على قائله ، وإن وَقَفْتُ فيما يُستقبل من الزّمان عليه ألحقته .
وريحٌ حاصِب ، تَحمل الحصْباء ، وهي صِغارُ الحَصَى ، وإذَا كانت بين أغْوار ـ وهي ما سَفُل من الأرض وكانت مع ذلك ريح صَيف ـ كانت أعظمَ مشقّة ، وأشدّ ضَرَرا على مَنْ

1.وهو قوله : مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تضربُهُمْبحاصبٍ بينَ أغوارٍ وجلمُودِ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
334

للإمام عليه السلام ، من قبيل حسد الشيخين ، والتواطئ على قتل عثمان ، ومعاداة بعض الصحابة ، وقتال أصحاب الجمل شيخي قريش وأم المؤمنين ، وطالما هدد الإمام عليه السلام بالحرب وبإشعال الفتن وكاد للإسلام والمسلمين . ومِن الطبيعي أن يردّ الإمام عليه السلام على مزاعمه واتهاماته ، ليردّ عليه كيده ، ولئلا يلتبس الأمر على السذّج من المسلمين من أهل الشام أو غيرهم .
وقد أورد ابن أبي الحديد كتاب معاوية في ذيل جواب الإمام عليه السلام وكتابه . ونورد هنا جملاً من كتاب معاوية حتى يطّلع القارئ الكريم على تجنّي وعدوانية هذا الرجل الطليق وانحرافه اسمعه يقول :
« ومن قبل ذلك ما عيبت خليفتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمأيام حياتهما ، فقعدت عنهما وألّبتَ عليهما ، وامتنعتَ من بيعتهما ، ورُمتَ أمراً لم يرك اللّه تعالى له أهلاً ، ورقيت سُلماً وعراً ، وحاولت مقاماً دحْضاً ، وادّعيت ما لم تجد عليه ناصراً ؛ ولعمري لو وليتها حينئذٍ لما ازدادت إلاّ فساداً واضطراباً ، ولا أعقبت ولا يتكها إلاّ انتشاراً وارتداداً ؛ لأنك الشامخ بأنفه ، الذاهب بنفسه ، المستطيلُ على الناس بلسانه ويده ؛ وها أنا سائرٌ إليك في جمع من المهاجرين والأنصار تحفُّهم سيوفٌ شاميّة ... » ، إلى آخر الرسالة التي كتبها بتشجيع من شريكه عمرو بن العاص وقد حاول ابن أبي الحديد دفع بعض مزاعم معاوية ، لكن على طريقته وِفق مذهب الاعتزال ] .
ثم نعود إلى تفسير ألفاظ كتاب الإمام علي عليه السلام .
قال عليه السلام : «وما أسلم مُسلِمكم إلاّ كَرْها» ، كأبي سفيان وأولاده يزيد ومعاوية وغيرهم من بني عبد شمس .
قال : وبعد أن كان أَنْفُ الإسلام محاربا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم» ، أي في أوّل الإسلام ، يقال : كان ذلك في أنْف دولة بني فلان ، أي في أوّلها ، وأنْف كلّ شيء أوّله وطَرَفه ، وكان أبو سُفيانَ وأهله من بني عبد شمس أشدَ الناس عَلَى رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في أوّل الهجرة ، إلى أن فتح مكة . ثم أجابه عن قوله : ( قتلتَ طلحة والزبير ، وشرّدت بعائشة ، ونزلتَ بين المصريْن ) بكلام مختصر أعرض فيه عنه هَوانا به ، فقال : هذا أمرٌ غبتَ عنه ، فليس عليك كان العدوان الذي تَزْعُم ، ولا العذرُ إليك لو وجب عليّ العذرُ عنه .
فأما الجواب المفصّل فأن يقال : إن طلحة والزبير قتلا أنفسهما ببغيهما ونكْثِهما ،

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249701
صفحه از 800
پرینت  ارسال به