337
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

يَحتجّ بها أصحابُنا له في أنّه لم يُسلِّم قَتلة عثمان إلى معاوية ، وهي حُجّة صحيحةٌ ؛ لأنّ الإمام يجب أن يُطاع ، ثمّ يتحاكَم إليه أولياءُ الدّم والمتّهَمون ، فإنْ حَكَم بالحقّ استُدِيمت حكومتُه ، وإلاّ فَسق وبَطَلت إمامَتُه . قوله : «فأمّا تلك الّتي تُريدها» ؛ قيل : إنّه يريد التعلّق بهذه الشّبهة ، وهي قَتلَة عثمان ، وقيل : أراد به ما كان معاوية يكرّر طلبَه من أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو أن يُقِرّه على الشّام وحدَه ، ولا يكلّفه البَيْعة ، قال : إنّ ذلك كمُخادَعة الصبيّ في أوّل فِطامه عن اللّبَن بما تَصنَعه النّساء له ممّا يكرِّه إليه الثّديَ ويُسلِيه عنه ، ويُرغِّبه في التعوّض بغيره .

65

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضاًأَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ مِنْ عِيَانِ الْأُمُورِ ، فَلَقدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلاَفِكَ بِادِّعَائِكَ الْأَبَاطِيلَ ، وَاقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَيْنِ وَالْأَكَاذِيبِ ؛ مِن انْتِحَالِكَ مَا قَدْ عَلاَ عَنْكَ ، وَابْتِزَازِكَ لِمَا قَدِ اخْتُزِنَ دُونَكَ ؛ فِرَاراً مِنْ الْحَقِّ ، وَجُحُوداً لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ ؛ مِمَّا قَدْ وَعَاهُ سَمْعُك ، وَمُلِيءَ بِهِ صَدْرُكَ ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ وَبَعْدَ الْبَيَانِ إِلاَّ اللَّبْسُ ! فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ وَاشْتِمالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا ، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلاَبِيبَهَا ، وَأَغْشَتِ الْأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا . وَقدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفانِينَ مِنَ الْقَوْلِ ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْمِ ، وَأَسَاطِيرَ لَمْ يَحُكْهَا مِنْكَ عِلْمٌ وَلاَ حِلْمٌ ، أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِض فِي الدَّهَاس ، وَالْخَابِطِ فِي الدِّيمَاس ، وَتَرَقَّيْتَ إِلَى مَرْقَبَةٍ بَعِيدَةِ الْمَرَامِ ، نَازِحَةِ الْأَعْلاَمِ ، تَقْصُرُ دُونَهَا الْأَنُوقُ وَيُحَاذَى بَهَا الْعَيُّوقُ . وَحَاشَ للّهِ أَنْ تَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِي صَدْراً أَوْ وِرْداً ، أَوْ أُجْرِيَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
336

تُلاقيه . وجُلْمود ، يمكن أن يكون عَطْفا على «حاصِب» ، ويمكن أن يكون عطْفا على « أغْوار » ، أي بين غَوْرٍ من الأرض وحَرَّةٍ ، وذلك أشدّ لأذاها لما تكسِبُه الحَرّة من لَفْح السَّموم وَوَهجِها . والوجه الأوّل ألْيَق .
وأعضضْته ، أي جَعلته مَعضوضا برؤوس أهلك ، وأكثر ما يأتي «أفَعَلْته» أن تجعله « فاعلاً» ، وهي هاهنا من المقلوب ، أي أعضَضْت رؤوس أهلك به ، كقوله : «قد قطع الحبل بالمرْوَد» . وجدُّه عُتبة بن ربيعة ، وخاله الوليدُ بنُ عتبة ، وأخوه حَنظلة بن أبي سفيان ، قتلهم عليّ عليه السلام يوم بدر .والأغلَفَ القلب : الذي لا بصيرة له ، كأنّ قلبه في غِلاف ، قال تعالى : «وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ»۱ . والمقارِب العقل ، بالكسر : الذي ليس عَقْله بجيّد ؛ والعامَّة تقول فيما هذا شأنه : مقارَب ، بفتح الراء . ثم قال : والأوْلى أن يقال هذه الكلمة لك . ونشدتُ الضّالّة : طَلبتُها ، وأنشدتها : عَرّفتها ، أي طلبتَ ما ليس لك . والسائمة : المال الراعي ؛ والكلامُ خارجٌ مخرج الاستعارة .فإن قلت : كلّ هذا الكلام يطابق بعضه بعضا إلاّ قوله : «فما أبعد قولك من فِعلك» وكيف استبعد عليه السلام ذلك ولا بُعْدَ بينهما ؛ لأنّه يَطلُب الخلافة قولاً وفعلاً ! فأيّ بُعد بين قوله وفعله؟
قلت : لأنّ فعله البَغْي ، والخروج على الإمام الذي ثبتت إمامتُه وصحّت ، وتفريق جماعةِ المُسلمين ، وشقّ العَصا ، هذا مع الأُمور الّتي كانت تَظهر عليه وتقتضي الفسق ؛ من لبس الحرير ، والمَنسوج بالذهب ، وما كان يتعاطاه في حياةِ عثمان من المنكرات التي لم تثْبت توبته منها ، فهذا فعلُه .
وأمّا قوله ؛ فزعمه أنه أميرُ المؤمنين ، وخليفةُ المسلمين ، وهذا القولُ بعيد من ذلك الفعل جدا .
و «ما» في قوله : «وقريب ما أشبهت» مصدرية ، أي وقريب شبهك بأعمام وأخوال . وقد ذكرنا من قُتِل من بني أُميّة في حرُوب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فيما تقدّم ، وإليهم الإشارة بالأعمام والأخوال ؛ لأنّ أخوال معاوية من بني عبد شمس ، كما أنَّ أعمامه من بني عبد شمس .
قوله : «ولم تماشها الهوينى» ، أي لم تصحبها ، يصفها بالسرعة والمضيّ في الرؤوس والأعناق . وأمّا قوله عليه السلام : «ادخُل فيما دَخَل فيه الناسُ وحاكِم القومَ» ، فهي الحجّة الّتي

1.سورة البقرة ۸۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213073
صفحه از 800
پرینت  ارسال به