339
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

سالَمْت» ، ونحو ذلك من قوله : «اللّهمّ عادِ من عادَاه ، ووالِ مَن وَالاه» ، وقوله : «حربُك حَرْبي وسِلْمُك سِلْمي» ، وقوله : «أنت مع الحقّ والحقّ معك» ، وقوله : «هذا منّي وأنا منه» ، وقوله : «هذا أخِي» ، وقوله : «يحبُّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّهُ ورسولُه» ، وقولُه : «اللّهمّ ائتِني بأحبّ خَلقِك إليك» ، وقوله : «إنّه وليّ كلّ مؤمن [ ومؤمنة ]بعدي » ، وقوله : في كلام قاله « خاصِف النّعل» ، وقوله : «لا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يَبغَضه إلاّ مُنافِق» ، وقوله : «إنّ الجنّة لتشتاق إلى أربعة» ، وجعله أوّلَهم ؛ وقوله لعمّار : «تقتُلك الفِئة الباغية» ؛ وقوله : «ستقاتل الناكثِين والقاسِطين والمارِقين بعدِي» ، إلى غير ذلك ممّا يَطولُ تَعدادُه جدّا ، ويحتاج إلى كتابٍ مفرد يُوضَع له ؟ أفما كان ينبغي لمعاويةَ أن يفكّر في هذا ويتأمّله ، ويَخشَى اللّهَ ويتّقيه؟! فلعلّه عليه السلام إلى هذا أشار بقوله : « وجُحودا لما هو ألزَم لك من لَحمِك ودَمِك ممّا قد وَعاه سَمْعُك ، ومُلئَ به صَدْرُك» .
قولُه : «فَمَاذَا بَعْدَ الحَقّ إلاَّ الضّلال»۱ كلمةٌ من الكلام الإلهيّ المقدّس . قال : « وبعد البَيان إلاّ اللّبس» ، يقال : لَبّست عليه الأمرَ لَبْسا ، أي خَلطتُه ، والمضارع يَلبِس بالكسر . «فاحذَر الشبهة واشتمالها» على اللُّبْسة بالضمّ ، يقال في الأمر لُبْسة أي اشتباه ، وليس بواضح ؛ ويجوز أن يكون «اشتمال» مصدرا مُضافا إلى معاوية ، أي احذَر الشّبهة واحذر اشتمالَك إيّاها على اللّبسة ، أي ادّراعَك بها ، وتقمُّصَك بها على ما فيها من الإبهام والاشتِباه ؛ ويجوز أن يكون مصدرا مضافا إلى ضمير الشّبهة فقط ، أي احذر الشّبهة واحتواءَها على اللّبسة الّتي فيها .وتقول : أغدَفَت المرأةُ قِناعَها ، أي أرسلتْه على وجهها ، وأغدَف الليلُ أي أرخَى سُدولَه ، وأصلُ الكلمة التّغطِيَة . والجلابيب : جمع جِلْباب ، وهو الثّوب . «وأعْشَت الأبصارَ ظُلْمتَها» ، أي اكتسبَتْها العَشا ، وهو ظُلْمة العَيْن . ورُوِي : « وأغْشَت» بالغين المعجمة « ظُلمتَها» بالنّصب، أي جعلت الفتنة ظُلمتها غِشاء للأبصار. والأفَانِين: الأساليب المختلِفة.قوله : «ضعفت قُواها عن السّلم» ، أي عن الإسلام ، أي لا تَصدُر تِلكَ الأفانينُ المختلِطة عن مُسلِم ، وكان كَتَب إليه يطلب منه أن يُفرده بالشام ، وأن يوليه العهد من بعده ، وألا يكلّفه الحضور عنده . وقرأ أبو عمرو : «ادخُلُوا فِي السِّلم كَافَّةً»۲ ؛ وقال : ليس المعنيّ بهذا الصّلح ، بل الإسلام والإيمان لا غير ، ومعنى «ضَعُفتْ قُواها» ، أي ليس لتلك الطّلبات

1.سورة يونس : ۳۲ .

2.سورة البقرة ۲۰۸ وانظر تفسير القرطبي ۳ : ۲۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
338

آنَ لك وأنَى لَك بمعنىً ، أي قَرَب وحَانَ ، تقول : آنَ لك أن تَفعَل كذا يَئِين أيْنا .
و «أنّى» مقلوبة عن «آنَ» ، ومِمّا يجري مَجرَى المَثَل قولُهم لمن يرُونه شيئا شديدا يُبصره ولا يشكّ فيه : قد رأيته لمحا باصِرا ، قالوا : أي نظرا بتَحْدِيق شديد ، ومَخرَجه مَخرَج رجل لابنٍ وتامِر ، أي ذو لبَن وتَمْر ، فمعنَى «باصِر» ذو بَصَر . يقول عليه السلام لمعاوية : قد حانَ لك أن تَنتفِع بما تَعلَمه من معايَنة الأمورِ والأحوالِ وتتحقّقه يقينا بقَلْبك كما يتحقّق ذو اللّمح الباصر ما يُبصِره بحاسّة بصرِه ، وأراد ببَيان الأُمور هاهنا معايَنَتها ، وهو ما يعرفه ضرورة من استحقاق عليٍّ عليه السلام للخلافة دونَه ، وبراءتِه من كلّ شُبْهة يَنسُبها إليه .ثم قال له : «فلقد سلكتَ» ، أي اتّبعتَ طرائق أبي سُفْيان أبيكَ وعُتْبة جَدِّك وأمثالِهما من أهلِك ذَوِي الكُفْر والشّقاق . والأباطيل : جمعُ باطل على غير قياس ، كأنّهم جَمَعوا إبطيلاً . والاقتحام : إلقاءُ النّفس في الأمْر من غير رَويّة . والمَيْن : الكَذِب . والغُرور بالضم المصدَر ، وبالفَتْح الاسم . وانتحلْتُ القصيدة ، أي ادّعيتَها كَذِبا .قال : «ما قد علا عنك» ، أي أنتَ دونَ الخلافة ، ولستَ من أهلِها ؛ والابتزاز : الاستِلاب . «لما قد اختزن دونَك» ، يعني التسمّي بإمرة المؤمنين .
ثمّ قال : «فِرارا من الحقّ» ، أي فعلتَ ذلك كلّه هَرَبا من التمسّك بالحقّ والدّين ، وحبّا للكُفْر والشّقاق والتغلّب . «وجُحودا لما هو ألزَم» ، يعني فرض طاعةِ عليّ عليه السلام ، لأنّه قد وَعَاها سَمعُه لا رَيْب في ذلك ، إمّا بالنّص في أيّام رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كما تَذكرُه الشّيعة ـ فقد كان معاوية حاضرا يومَ الغَدِير ؛ لأنّه حجّ معهم حجّة الوداع ، وقد كان أيضا حاضرا يومَ تَبُوك حين قال له بمَحضَر من الناس كافّة : «أنت منّي بمنزِلة هَارُون مِن موسى» ، وقد سُمِع غيرُ ذلك ـ وإمّا بالبَيْعة كما نَذكره نحن فإنّه قد اتّصل به خبرُها ، وتواترَ عندَه وُقوعُها ، فصار وقوعُها عنده معلوما بالضّرورة كعِلمِه بأنّ في الدّنيا بلداً اسمُها مِصر ، وإن كان مارآها .
والظاهر من كلامِ أميرِ المؤمنين عليه السلام أنّه يريد المعنى الأوّل ؛ ونحن نخرِّجه على وَجْهٍ لا يَلزَم منه ما تقوله الشِّيعة ، فنقول : لنَفرض أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمما نصّ عليه بالخلافة بعدَه ، أليس يَعلَم معاوية وغيرُه من الصّحابة أنه قال له في ألف مقام : «أنا حَرْبٌ لمن حارَبْتَ ، وسِلْمٌ لمن

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218149
صفحه از 800
پرینت  ارسال به