345
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

اللّهِ عِنْدَكَ ، وَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اللّهُ بِهِ عَلَيْكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ ، وَانّك مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ ، وَمَا تُؤخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ . وَاحْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ رَأْيُهُ ، وَيُنْكَرُ عَمَلُهُ ، فَإِنَّ الصَّاحِبَ مَعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ . وَاسْكُنِ الْأَمْصَارَ الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ، وَاحْذَرْ مَنَازِلَ الْغَفْلَةِ وَالْجَفَاءِ ، وَقِلَّةَ الْأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اللّهِ . وَاقْصُرْ رَأَيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ . وَإِيَّاكَ وَمَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ ، فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ الشَّيْطَانِ ، وَمَعَارِيضُ الْفِتَنِ . وَأَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ ، فإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ . وَلاَ تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ الصَّلاَةَ إِلاَّ فَاصِلاً فِي سَبِيلِ اللّهِ ، أَوْ فِي أَمْرٍ تُعْذَرُ بِهِ . وَأَطِعِ اللّهَ فِي جُمَلِ أُمُورِكَ ، فَإِنَّ طَاعَةَ اللّهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا . وَخَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ ، وَارْفُقْ بِهَا وَلاَتَقْهَرْهَا ، وَخُذْ عَفْوَهَا وَنَشَاطَهَا ، إِلاَّ مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا . وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ وَأَ نْتَ آبِقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا . وَإِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ ، فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ . وَوَقِّرِ اللّهَ ، وَأَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ ، وَاحْذَرِ الْغَضَبَ ، فَإِنَّهُ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ ؛ وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

الحارث الأعور ونسبه

هو الحارث الأعور صاحبُ أمير المؤمنين عليه السلام ؛ وهو الحارث بنُ عبد اللّه بن كعب الهمْدانيّ ، كان أحد الفُقهاء ، له قولٌ في الفُتْيا ، وكان صاحب عليّ عليه السلام ، وإليه تنسب الشِّيعةُ الخطابَ الذي خاطبه به في قوله عليه السلام :

يا حارِ هَمْدان من يمتْ يَرَنِيمِنْ مؤمنٍ أو منافقٍ قِبَلاَ۱

1.وهو الذي قال له الإمام عليه السلام : «أُبشّرك يا حارث ، إنّك لتعرفني عند الممات ، وعند الصراط ، وعند الحوض» . وقال له بعد كلام طويل : «خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة : أنت مع من أحببت ولك ما احتسبت ، أو قال : ما اكتسبت ، قالها ثلاثا» . فقال الحارث وقام يجرّ رداءه جذلاً : ما اُبالي وربي بعد هذا لقيتُ الموت أو لقيني .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
344

وفي روايةِ زَاذانَ ، عن عليٍّ عليه السلام : سَلمانُ الفارسيّ كلُقمانَ الحكيم .
ولِسلمانَ فضائلُ جَمّة ، وأخبارٌ حِسان ؛ وتوفّي في آخِر خلافةِ عُثمانَ سنة خمسٍ وثلاثين ؛ وقيل : توفّي في أوّل سنة سِتّ وثلاثين .
وكان سَلْمان مِن شيعة عليّ عليه السلام وخاصّته ، وتَزْعُم الإماميّة أنه أحدُ الأربعة الّذين حَلَّقوا رؤوسهم وأتوه متقلّدي سيوفِهم في خبر يَطُول ؛ وليس هذا موضع ذكره .
فأما ألفاظ الفَصْل ومعانِيه فظاهرة ، ومما يُناسِب مضمونه قول بعض الحكماء : تَعَزّ عن الشيء إذا مُنِعْتَه ، بقلّة صحبتِه لك إذا أُعْطِيتَهُ .

69

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمدانيوَتَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرآنِ وَاسْتَنْصِحْهُ ، وَأَحِلَّ حَلاَلَهُ ، وَحَرِّمْ حَرَامَهُ ، وَصَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ ، وَاعْتَبِرْ بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِي مِنْهَا ، فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً ، وَآخِرَهَا لاَحِقٌ بِأَوَّلِهَا ، وَكُلُّهَا حَائِلٌ مُفَارِقٌ . وَعَظِّمِ اسْمَ اللّهِ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ ، وَأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلاَ تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلاَّ بِشَرْطٍ وَثِيقٍ . وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ ، ويُكرِهُهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ ، وَيُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلاَنِيَةِ ، وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ أَوِ اعْتَذَرَ مِنْهُ . وَلاَ تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ القوم ، وَلاَ تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ ، فَكَفَى بِذلِكَ كَذِباً ، وَلاَ تَرُدَّ عَلَى النَّاس كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِهِ ، فَكَفَى بِذلِكَ جَهْلاً . وَاكْظِمِ الْغَيْظَ ، وَاحْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ ، وَتَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدَرَةِ ، وَاصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ . وَاسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللّهُ عَلَيْكَ ، وَلاَ تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمٍ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213226
صفحه از 800
پرینت  ارسال به