347
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

ومنها قوله : «ولا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق» ، هذه كلمةٌ شريفة عظيمة القدْر ، أي لا تتمنّ الموتَ إلاّ وأنت واثق من أعمالك الصالحة أنها تؤدّيك إلى الجنة ، وتُنْقِذك من النار ؛ وهـذا هو معنى قوله تعالى لليهود : «إنْ زعمتمْ أنكم أوْلياءُ للّهِ مِنْ دُونِ الناسِ فتمَنَّوُا الموتَ إنْ كُنتُـمْ صَادِقيـنَ * ولاَ يَتَمَنَّوْنـه أبدا بِمـا قدَّمتْ أيديهمْ واللّهُ عليمٌ بالظّالمين»۱ .
ومنها قوله : «واحذر كلّ عمل يرضاه صاحبه لنفسه ، ويكرهه لعامة المسلمين ، واحذر كل عمل يُعمل في الستر ، ويُستحيا منه في العلانية ، واحذر كل عمل إذا سُئل عنه صاحبه أنكره واعتذر منه» ، وهذه الوصايا الثلاث متقاربةٌ في المعنى ، ويشملها معنى قول أبي الأسود الدؤلي:

لا تنهَ عن خُلق وتأتيَ مثلهُعار عليك إذا فعلتَ عظيمُ
وقال اللّه تعالى حاكيا عن نبيٍّ من أنبيائه : «وَمَا أُرِيدُ أنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أنْهَاكُمْ عَنْهُ»۲ .
ومنها قوله : «ولا تجعَل عِرْضك غَرَضا لنبال القوم» ، قال الشاعر :

لا تستتِرْ أبدا ما لا تَقومُ لهولا تَهيجنّ من عِرِّيسِهِ الأسَدَا
إنّ الزّنابيرَ إنْ حرّكتها سَفَهامِن كورها أوجعتْ مِن لَسْعِها الجَسَدا
ومنها قوله : «ولا تُحَدِّث الناسَ بكلّ ما سمعتَ ، فكفى بذلك كَذِباً» ، قد نهى أن يحدّث الإنسان بكلّ ما رأى من العَجائب فَضْلاً عمّا سَمِع ؛ لأنّ الحديثَ الغريبَ المعجبَ تُسارِع النفسُ إلى تكذيبه ، وإلى أن تقوم الدّلالة على صِدْقه قد فَرَط من سوء الظنّ فيه ما فرط .
ومنها قوله : «ولا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك ، فكفى بذلك جَهْلاً» ، من الجَهْل المبادرة بإنكار ما يَسمَعه .
ومنها قوله : «واكظم الغَيْظ» ، قد مَدَح اللّهُ تعالى ذلك فقال : «وَالْكاظِمِينَ الغَيظَ»۳ .
ومنها قوله : «واحلُم عند الغَضَب» ، هذه مُناسَبة الأولى ، وقد تقدَّم منّا قولٌ كثيرٌ في الحِلْم وفضله ؛ وكذلك القول في قوله عليه السلام : «وتجاوَزْ عند المقدرة» ، وكان يقال : القُدْرة

1.سورة الجمعة ۶ ، ۷ .

2.سورة هود ۸۸ . وهي من مواعظ شعيب عليه السلام إلى قومه .

3.سورة آل عمران ۱۳۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
346

وهي أبياتٌ مشهورة قد ذكرْناها فيما تقدّم . وقد اشتمل هذا الفصل على وصايا جليلة الموقع :
منها قوله : «وتمسّكْ بِحَبْل القرآن» ، جاء في الخبر المرفوع لما ذكر الثَّقَليْن فقال : « أحدهما كتابُ اللّه ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض طَرَف بيد اللّه وطرف بأيديكم» .
ومنها قوله : انتصحْه ، أي عُدَّه ناصحا لك فيما أمرك به ونهاك عنه .
ومنها قوله : «وأحِلَّ حلاله وحَرِّم حرامه» ، أي احكم بين الناس في الحلال والحرام بما نص عليه القرآن .
ومنها قوله : «وصدِّق بما سلف من الحقّ» ، أي صدِّق بما تضمَّنه القرآن من أيام اللّه ومَثُلاته في الأُمم السالفة لما عصوْا وكذّبوا .
ومنها قوله : «واعتبر بما مضى من الدّنيا لما بقي منها» ، وفي المثل : إذا شئت أن تنظر الدنيا بعدَك فانظرها بعد غيرك ، وقال الشاعر :

وما نحنُ إلاّ مثلهم غير أنناأقمنا قليلاً بعدهم ثمّ نرحَلُ
ويناسب قوله : «وآخرُها لاحقٌ بأولها ، وكلها حائل مُفارق» ، قوله أيضا عليه السلام في غير هذا الفصل الماضي : «للمقيم عِبرة ، والميّت للحيّ عِظة ، وليس لأمس عودة ، ولا المرءُ من غدٍ على ثقة ، الأول للأوسط رائد ، والأوسط للأخير قائد ؛ وكلٌّ بكلّ لاحق ، والكلُّ للكلِّ مُفارق» .
ومنها قوله : «وعَظِّم اسم اللّه أن تذكره إلاّ على حَقّ» ، قال اللّه سبحانه «ولا تجْعلوا اللّهَ عُرضةً لأيمانكُمْ»۱ ، وقد نهى عن الحلف باللّه في الكذب والصدق ، أمّا في أحدهما فمحرّم وأمّا في الآخر فمكروه ، ولذلك لا يجوز ذكر اسمه تعالى في لغْوِ القول والهزءِ والعبث .
ومنها قوله : «وأكثرْ ذكر الموت وما بعد الموت» ، جاء في الخبر المرفوع : « أكثرُوا ذكر هاذم ۲ اللذَّات» ، وما بعد الموت : العقابُ والثوابُ في القبر وفي الآخرة .

1.سورة البقرة ۲۲۴ .

2.هاذم اللذات ، من الهدم وهو القطع .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213222
صفحه از 800
پرینت  ارسال به