361
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

حَاجِجْهُمْ بالسُّنَّةِ ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً .

الشّرْحُ:

هذا الكلام لا نظير له في شرفه وعلوّ معناه ، وذلك أنّ القرآن كثير الاشتباه ، فيه مواضع يُظنّ في الظاهر أنها متناقضة متنافية ، نحو قوله : «لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ»۱ وقوله : «إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»۲ ، ونحو قوله : «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْن أيْدِيهمْ سَدّا وَمِنْ خَلْفهِمْ سَدّافأغْشَيناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصرُون»۳ وقوله : «وأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاسْتَحبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى»۴ ، ونحو ذلك ، وهو كثير جدّا ؛ وأمّا السنة فليست كذلك ، وذلك لأنّ الصحابة كانت تسأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلموتستوضح منه الأحكام في الوقائع ، وما عساه يشتبه عليهم من كلامه ؛ يراجعونه فيه ؛ ولم يكونوا يراجعونه في القرآن إلاّ فيما قلّ ؛ بل كانوا يأخذونه منه تلقّفا ، وأكثرهم لا يفهم معناه ، لا لأنّه غير مفهوم ؛ بل لأنهم ما كانوا يتعاطوْن فهمه .
وكانوا في السنّة ومخاطبة الرسول على خلاف هذه القاعدة ، فلذلك أوصاه عليٌّ عليه السلام أن يحاجَّهم بالسنة لا بالقرآن .
فإن قلت : فهل حاجّهم بوصيّته؟
قلت : لا ، بل حاجّهم بالقرآن ، مثل قوله : «فابْعَثُوا حَكما مِنْ أهلِهِ وَحَكما مِنْ أهلِهَا»۵ ومثل قوله في صيد المحرم : «يَحْكُمُ به ذَوَا عَدْلٍ مِنكم»۶ ؛ ولذلك لم يرجعوا والتحمت الحرب ، وإنما رجع باحتجاجه نفر منهم .
فإن قلت : فما هي السنّة التي أمره أن يحاجّهم بها؟
قلت : كان لأمير المؤمنين عليه السلام في ذلك غرض صحيح ، وإليه أشار ، وحوله كان يطوف ويحوم ، وذلك أنه أراد أن يقول لهم : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «عليٌّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ

1.سورة الأنعام ۱۰۳ .

2.سورة القيامة ۲۳ .

3.سورة يس ۹ .

4.سورة فصّلت ۱۷ .

5.سورة النساء ۳۵.

6.سورة المائدة ۹۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
360

قَحْطان ودونه منهم حَرَّة لا ترام ؛ وهم أطوع له من نعله ، والأمر قد أمكنه الشروع فيه؟ وتاللّه لو سمع هذا التحريض أجبنُ الناس وأضعفهُم نفسا وأنقصُهم همّة لحرّكه وشحّذَ من عزمه ؛ فكيف معاوية ، وقد أيقظ الوليدُ بشِعره من لا ينام ؟!

76

الأصْلُ:

۰.ومن وصية له عليه السلام لعبد اللّه بن العباس عند استخلافه إياه على البصرةسَعِ النَّاسَ بِوَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَحُكْمِكَ ، وإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ فَإِنَّهُ طَيْرَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّبَكَ مِنَ اللّهِ يُبَاعِدُكَ مِنْ النَّارِ ، وَمَا بَاعَدَكَ مِنَ اللّهِ يُقَرِّبُكَ مِنَ النَّارِ .

الشّرْحُ:

رُوي : «وحلمك» . والقرب من اللّه ، هو القرب من ثوابه ؛ ولا شبهة أن ما قرّب من الثواب باعدَ من العقاب ، وبالعكس لتنافيهما .
فأما وصيّته له أن يَسع الناس بوجهه ومجلسه وحكمه ، فقد تقدّم شرح مثلِه ، وكذلك القول في الغضب . وطَيْرة من الشيطان : بفتح الطاء وسكون الياء ، أي خفّة وطيش .

77

الأصْلُ:

۰.ومن وصية له عليه السلام
لعبد اللّه بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج
لاَ تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ ، تَقُولُ وَيَقُولُونَ ، وَلكِنْ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 212852
صفحه از 800
پرینت  ارسال به