373
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

منجح» ، قول النّبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «داووا مَرْضاكم بالصدقة» .
قوله عليه السلام : «أعمال العباد في عاجلهم نُصْبُ أعينهم في آجِلِهم» ، هذا من قوله تعالى : «يَوْمَ تَجِدُ كلُّ نَفْسٍ مَاعَمِلتْ منْ خَيْرٍ مُحْضَرا وَمَا عَمِلتْ مِنْ سُوء تَوَدُّ لَوْ أنَّ بينَها وَبيْنَهُ أمَدا بَعِيدا» . وقال تعالى : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثقَالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذرّةٍ شَرّا يَرَهُ» .

8

الأصْلُ:

۰.اعْجَبُوا لِهذَا الإِْنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ ، وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ ، وَيَسْمَعُ بِعَظمٍ ، وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ .

الشّرْحُ:

هذا كلام محمول بعضه على ظاهره ، لما تدعو إليه الضّرورة من مخاطبة العامّة بما يفهمونه ، والعدول عمّا لا تقبله عقولهم ، ولا تَعِيهِ قلوبُهم ۱ .
أما الإبصار ؛ فقد اختلف فيه ، وعلى جميع الأقوال فلابدّ من إثبات القوة المبصرة في الرطوبة الجلْدية ، وإلى الرطوبة الجلدية وقعت إشارته عليه السلام بقوله : « ينظر بشَحْم» .
وأمّا الكلام فمحلّه اللسان عند قوم . وقال قوم : ليس اللّسان آلة ضرورية في الكلام ، وعلى كلا القولين فلابدّ أن تكون آلة الكلام لحما ، وإليه وقعت إشارة أمير المؤمنين عليه السلام .
فأما السمع للصوت فليس بعظم عند التحقيق ، وإنما هو بالقوّة المودَعة في العصب المفروش في الصّماخ كالغشاء ، وبالجملة فلابدّ من عَظْم ؛ لأنّ الحامل للّحم والعَصَب إنما هو العظْم .
وأمّا التَّنفُّس فلا ريبَ أنه من خَرْم ؛ لأنّه من الأنف ، وإن كان قد يمكن لو سدّ الأنف أن

1.كلام الإمام عليه السلام واضح ، أراد أن يحكي فيه عظمة الخالق ودقة صنعه وحكمته ليعتبر الإنسان ويتعظ ، والعلم الحديث يذعن بذلك ، فالإنسان ينظر بشحم ، وهي (الشبكية) وهي شحمة دون شك ، وبها يتم الإبصار . ويتكلم الإنسان بلحم وهو اللسان (ويسمع بعظم) ، وهو إشارة إلى العظيمات الثلاث في الأُذن الوسطى ، التي بواسطتها يتم نقل الأصوات ويتم الاستماع . فسبحان من خلق فسوّى ، وقدّر فهدى .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
372

قوله عليه السلام : «الاحتمال قبر العيوب» ۱ ، أي إذا احتملت صاحبك وحلمت عنه ، سترَ هذا الخلق الحسَن منك عيوبك ، كما يستر القبرُ الميّت ، وهذا مثل قولهم في الجود : كلّ عيبٍ فالكرمُ يغطّيه . فأما الخَبْ ء فمصدر خبأته أخبؤه ، والمعنى في الروايتين واحد . ومن كلامه عليه السلام : وجدت الاحتمال أنصرَ لي من الرجال . ومن كلامه : مَنْ سالم النّاس سلم منهم ، ومن حارب الناس حاربوه ؛ فإنّ العثرة للكاثر .

7

الأصْلُ:

۰.مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْهِ ، والصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ ، وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي عَاجِلِهِمْ نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجِلِهِمْ .

الشّرْحُ:

قوله عليه السلام : «من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه» ۲ .
قال الشاعر :

أرى كلَّ إنسانٍ يَرَى عيبَ غيرهويعمَى عن العيب الذي هو فيهِ
وما خيرُ مَنْ تخفَى عليه عيوبُهويبدو له العيبُ الّذي بأخيهِ
قوله عليه السلام : «الصدقة دواء منجح» ، قد جاء في الصّدقة فضل كثير . وفي الحديث المرفوع : «تاجروا اللّه بالصدقة تربحوا» . وقيل : الصدقة صَدَاق الجنّة . ومثل قوله عليه السلام « الصدقة دواء

1.لا يفتح الصندوق فيطّلع الغيرُ على ما فيه . الحبالة : شبكة الصيد ، والبشاش يصيد مودات القلوب . الاحتمال : تحمّل الأذى ومن تحمّل الأذى خفيت عيوبه .

2.من رضي عن نفسه رفع نفسه فوق قدرها ، ومن رفع نفسه فوقَ قدرها ردّها الناس إلى قدرها ، فكثُر الساخط عليه . ومن رضي عن نفسه لم يجتهد في طلب كمالِه ، وبقي في مهاوي النقصان وتصوّر نقصانه كمالاً ، والعقلاء يتصوّرون نقصانه نقصاناً فلذلك كثر الساخطُ عليه . المعارج للبيهقي : ص۷۹۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 212860
صفحه از 800
پرینت  ارسال به