467
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

بِيَدِهِ إلى صدره ـ لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً ! بَلَى أُصِيبُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا ، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللّهِ عَلَى عِبادِهِ ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ ، لاَبَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ ؛ يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِض مِنْ شُبْهَةٍ . أَلاَ لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ ! أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ ، سَلِسَ الْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ ، أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَالاْدِّخَارِ ، لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ ، أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنْعَامُ السَّائِمَةُ ! كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ .
اللَّهُمَّ بَلَى ! لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ للّهِ بِحُجَّةٍ ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً ، وَإِمِّا خَائِفاً مَغْمُوراً ، لِئَـلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللّهِ وَبَيِّنَاتُهُ .
وَكَمْ ذَا ؟ وَأَيْنَ ! أُولئِكَ وَاللّهِ ، الْأَقَلُّونَ عَدَداً ، وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً ، يَحْفَظُ اللّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوب أَشْبَاهِهِمْ . هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالَْمحَلِّ الْأَعْلَى ؛ أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللّهِ فِي أَرْضِهِ ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ . آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ .
انْصَرِفْ يَا كُمَيْلُ إِذَا شِئْتَ .

الشّرْحُ:

الجَبّان والجَبّانة : الصّحراء . وتَنفَّسَ الصُّعَداء ، أي تنفّس تنفُّسا ممدودا طويلاً .
قولُه عليه السلام : «ثلاثة» قِسمةٌ صحيحة ، وذلك لأنّ البشر باعتبار الأُمور الإلهيّة : إمّا عالِم على الحقيقة يَعرِف اللّه تعالى ، وإمّا شارع في ذلك فهو بعد في السّفر إلى اللّه يَطلُبه بالتعلّم والاستفادة من العالم ، وإمّا لا ذا ولا ذاك ؛ وهو العامّيّ الساقط الّذي لا يَعبأ اللّهُ به . وصَدَق عليه السلام في أنّهم هَمَج رَعاع أتباعُ كلِّ ناعق ، ألا تراهم ينتقلون من التقليد لشخصٍ إلى تقليدِ الآخَر ، لأدنى خَيال وأضعفِ وَهْم!


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
466

الشّرْحُ:

قد تقدّم الكلامُ في الصّدقة والزّكاة والدّعاء ، فلا معنَى لإعادةِ القولِ في ذلك .

143

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلام لكُمَيْل بن زياد النخعي:قال كُمَيْل بن زياد : أخذ بيدي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرجني إلى الجبّان ۱ ، فلمّا أصحر تنفس الصّعَداء ، ثمّ قال :
يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ ، إِنَّ هذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ ، فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا ، فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ .
النَّاسُ ثَـلاَثَةٌ : فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ ، وَهَمَجٌ رِعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ ، لَمْ يَسْتَضِيؤوا بِنُورِ الْعِلْمِ ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ .
يَا كُمَيْلُ ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ ؛ الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ . وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الاْءِنْفَاقِ ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ .
يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ ، مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ ، بِهِ يَكْسِبُ الاْءِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ ، وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ . وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ ، وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ .
يَا كُمَيْلُ بن زِيَادٍ ، هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ ، وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ ؛ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ ، وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ . هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً ـ وَأَشَارَ

1.الجبَّان والجبَّانة : في الأصل ما استوى من الأرض في ارتفاع وخلا من النبت أو الشجر ، وهي الصحراء . وأهل الكوفة يسمّون المقابر جبّانة . وأصحر ، أي صار في الصحراء .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 212894
صفحه از 800
پرینت  ارسال به