539
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أقبَح ، فالإيمان هو تطهيرُ القَلْب من نجاسةِ ذلك الجهل .
وفُرِضت الصّلاة تنزيها من الكِبْر ، لأنّ الإنسان يقوم فيها قائما ، والقيام مُنافٍ للتكبُّر وطاردٌ له ، ثم يَرفع يديه بالتّكبير وقتَ الإحرام بالصّلاة فيصير على هيئة من يمدّ عنقَه ليوسِّطه السَّيّاف ، ثم يستكتف كما يَفعَله العبيد الأذلاّء بين يدَي السادة العظماء ، ثمّ يركَع على هيئة من يمدّ عنقَه ليضربَها السيّاف ، ثمّ يَسجُد فيضَع أشرَف أعضائه وهو جَبْهته على أدوَنِ المواضع ، وهو التراب . ثم تتضمّن الصلاةُ من الخضوع والخشوع والامتناع من الكلام والحركة الموهمة لمن رآها أنَّ صاحبَها خارجٌ عن الصّلاة ، وما في غُضونِ الصلاة من الأذكار المتضمِّنة الذُّلَّ والتواضع لعظمةِ اللّه تعالى .
وفُرِضت الزّكاة تسبيبا للرزق ، كما قال اللّه تعالى : «وَما أنْفقْتُمْ من شيءٍ فهو يُخلِفه»۱ ، وقال : «مَنْ ذَا الّذِي يُقرِضُ اللّهَ قَرْضا حَسنا فَيُضَاعِفَه له»۲ .
وفُرض الصيامُ ابتلاء لإخلاص الخلْق ، قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمحاكيا عن اللّه تعالى : « الصّومُ لي وأنا أجْزِي به» ، وذلكَ لأنّ الصوم أمرٌ لا يطّلع عليه أحد ، فلا يقوم به على وجهه إلاّ المخلِصون .
وفُرِض الحجّ تقوية للدِّين ، وذلك لما يحصُل للحاجّ في ضِمنِه من المتاجِر والمكاسِب ، قال اللّه تعالى : «ليَشْهَدُوا مَنافعَ لهم ويَذكُروا اسمَ اللّهِ على ما رَزَقهم مِنْ بَهيمةِ الأنعامِ»۳ . وأيضا فإنّ المشركين كانوا يقولون : لولا أنّ أصحابَ محمّد كثير وأُولُو قوّة لما حجّوا ، فإنّ الجيشَ الضعيفَ يعجز عن الحجّ من المكان البعيد .
وفُرِض الجهادُ عزَّاً للإسلام ، وذلك ظاهر ، قال اللّه تعالى : «ولوْلاَ دَفْع اللّهِ الناسَ بعضَهم ببعض لهُدِّمتْ صَوَامعُ وبِيعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يُذكر فيها اسمُ اللّهِ كثيراً»۴ ، وقال سبحانه : «وأعِدُّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباطِ الخَيل تُرْهِبون به عدوَّ اللّه وعدوّكُمْ»۵ .

1.سورة سبأ ۳۹ .

2.سورة الحديد ۱۱ .

3.سورة الحج ۲۸ .

4.سورة الحج ۴۰ .

5.سورة الأنفال ۶۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
538

الشّرْحُ:

لمّا كانت الدنيا ضدَّ الآخرة ، وجَب أن يكون أحكام هذه ضدّ أحكام هذه ، كالسّواد يجمَع البصَر والبيَاض يفرق البصر ، والحَرارة توجب الخفّة ، والبُرودة توجب الثّقل ، فإذا كان في الدّنيا أعمالٌ هي مرّة المَذاق على الإنسان قد ورد الشرعُ بإيجابِها فتلك الأفعال تَقتضِي وتوجِب لفاعلها ثوابا حُلْوَ المَذاق في الآخرة . وكذاك بالعكس ما كان من المشتَهيَات الدنياويّة الّتي قد نَهَى الشرعُ عنها ، تُوجب ـ وإن كانت حُلوة المذاق ـ مَرارة العقوبة في الآخرة .

249

الأصْلُ:

۰.فَرَضَ اللّهُ الاْءِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ ، وَالصَّلاَةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ ، وَالزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ ، وَالصِّيَامَ ابْتِلاَءً لاِءِخْلاَص الْخَلْقِ ، وَالْحَجَّ تَقوِيَةً لِلدِّينِ ، وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلاْءِسْلاَمِ ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ ، وَصِلَةَ الرَّحِمِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ ، وَالْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ ، وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ ، وَتَرْكَ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْصِيناً لِلْعَقْلِ ، وَمُجَانَبَةَ السَّرِقَةِ إِيجاباً لِلْعِفَّةِ ، وَتَرْكَ الزِّنَا تَحْصِيناً لِلنَّسَبِ ، وَتَرْكَ اللِّوَاطِ تَكْثِيراً لِلنَّسْلِ ، وَالشَّهَادَاتِ اسْتِظْهَاراً عَلَى الُمجَاحَدَاتِ ، وَتَرْكَ الْكَذِبِ تَشْرِيفاً لِلصِّدْقِ ، وَالسَّلاَمَ أَمَاناً مِنَ المخَاوِفِ ، وَالْأَمَانَةَ نِظَاماً لِلْأُمَّةِ ، وَالطَّاعَةَ تَعْظِيماً لِـلإمَامَةِ .

الشّرْحُ:

هذا الفصلُ يتضمّن بيانَ تعليل العبادات إيجابا وسَلْباً . قال عليه السلام : فَرَضَ اللّهُ الإيمانَ تَطْهيراً مِن الشِّرْك ، وذلك لأنَّ الشِّرْك نجَاسَة حُكْمِية لا عينيّة ، وأيّ شيء يكون أنجَس من الجَهْل أو

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 212863
صفحه از 800
پرینت  ارسال به