577
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

301

الأصْلُ:

۰.أَصْدِقَاؤُكَ ثَـلاَثَةٌ ، وَأَعْداؤُكَ ثَـلاَثَةٌ ؛ فأَصْدِقَاؤُكَ : صَدِيقُكَ ، وَصَدِيقُ صَدِيقِكَ ، وَعَدُوُّ عَدُوِّكَ . وَأَعْدَاؤُكَ : عَدُوُّكَ ، وَعَدُوُّ صَدِيقِكَ ، وَصَدِيقُ عَدُوِّكَ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم القولُ في هذا المعنى . والأصل في هذا أنّ صديقَك جارٍ مجرَى نفسك ، فاحكم عليه بما تحكُم به على نفسك ، وعدوّك ضدّك ، فاحكُمْ عليه بما تحكُم به على الضّدّ ، فكما أنّ من عاداك عدوّ لك ، وكذلك مَنْ عادى صديقَك عدُوّ لك ، وكذلك من صَادَق صديقَك فكأنّما صادَق نفسَك ، فكان صديقا لك أيضا ، وأمّا عدوُّ عدوِّك فضدّ ضدّك ؛ وضِدُّ ضِدِّك ملائمٌ لك ، لأنّك أنتَ ضِدُّ لذلك الضدّ ، فقد اشتركتُما في ضِدّيّة ذلك الشخص ، فكنتما متناسِبَين ، وأمّا مَنْ صَادقَ عدوَّك فقد ماثلَ ضِدَّك ، فكان ضِدّا لك أيضا .

302

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام لرجل رآه يسعى على عدوٍّ له ، بما فيه إِضرار بنفسه : إِنَّمَا أَنْتَ كَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ .

الشّرْحُ:

هذا يختلف باختلاف حالِ السّاعي ، فإنّه إن كان يضرّ نفسَه أوّلاً ثمّ يضرّ عدوَّه تَبَعا لإضرارِه بنفسِه ، كان ـ كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ـ كالطاعنِ نفسَه لِيقتلَ رِدْفه ؛ والرِّدفْ : الرجلُ الذي تَرْتدِفه خَلْفَك على فرَس أو ناقةٍ أو غيرهما ، وفاعل ذلك يكون أسْفه الخلق وأقلَّهم عقلاً ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
576

الشّرْحُ:

المائق : الشديدُ الحُمْق ، والمُوق : شدّة الحُمْق ، وإنما يزين لك فعله لأنّه يعتقد فعلَه صواباً بحُمْقه فيزيِّنه لك كما يزيِّن العاقلُ لصاحبه فِعلَه لاعْتقاد كونه صواباً ، ولكن هذا صوابٌ في نَفْس الأمر ، وذلك صوابٌ في اعتقاد المائق ، لا في نفس الأمر ؛ وأمّا كونه يودّ أن تكون مِثله معناه أنّه لحبِّه لك ، وصُحْبتِه إيّاك ، يَودّ أن تكون مِثله ؛ لأنّ كل أحدٍ يوَدّ أن يكون صديقُه مِثل نفسِه ، في أخلاقه وأفعالِه ، إذ كل أحد يَعتقِد صوابَ أفعاله ، وطهارَة أخلاقه ، ولا يَشعر بعيبِ نفسِه لأنّه يَهوَى نفسَه ، فعيبُ نفسه مطويٌّ مَسْتور عن نفسه ، كما تخفى عن العاشق عُيوبُ المعشوق .

300

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام وقد سُئل عن مسافة ما بين المشرق والمغرب ، فقال : مَسِيرَةُ يَوْمٍ لِلشَّمْس .

الشّرْحُ:

هكذا تقول العَرَب : بينهما مَسيرة يوم ، بالهاء ، ولا يقولون : مسيرُ يوم ؛ لأنّ المسيرَ المَصْدَر ، والمَسِيرة الاسم .
وهذا الجوابُ تسمِّيه الحكماء جوابا إقناعيّاً ؛ لأنّ السائل أراد أن يذكر له كميّة المسافة مُفصّلة ، وأجابه بغيره ، وهو جواب صحيح لا رَيب فيه ، لكنّه غير شافٍ لغليلِ السائل ، وتحته غرَضٌ صحيح وذلك لأنّه سأله بحضور العامّة تحت المنبر فلو قال له : بينهما ألفُ فرسخ مثلاً ، لكان للسائل أن يطالبه بالدلالة على ذلك ، فعدل إلى جواب صحيح ، إجماليّ أسكت السائل به ، وقَنع به السامعون أيضا وَاستحسَنوه ، وهذا من نتائج حِكمتِه عليه السلام .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 212933
صفحه از 800
پرینت  ارسال به