59
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الْمَرَائِي لاَ بِمُحَاضَرَةٍ . لَمْ تُحِطْ بِهِ الْأَوْهَامُ ، بَلْ تَجَلَّى لَهَا بِهَا ، وَبِهَا امْتَنَعَ مِنْهَا ، وَإِلَيْهَا حَاكَمَهَا . لَيْسَ بِذِي كِبَرٍ امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَايَاتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيماً ، وَلاَ بِذِي عِظَمٍ تَنَاهَتْ
بِهِ الْغَايَاتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيداً ؛ بَلْ كَبُرَ شَأْناً ، وَعَظُمَ سُلْطَاناً .
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّفِيُّ ، وَأَمِينُهُ الرَّضِيُّ ، ـ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ـ أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجَجِ ، وَظُهُورِ الْفَلَجِ ، وَإِيضَاحِ الْمَنْهَجِ ؛ فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ صَادِعاً بِهَا ، وَحَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّةِ دالاًّ عَلَيْهَا ، وَأَقَامَ أَعْلاَمَ الاِْهْتِدَاءِ ، وَمَنَارَ الضِّيَاءِ ، وَجَعَلَ أَمْرَاسَ الاْءِسْلاَمِ مَتِينَةً ، وَعُرَى الاْءِيمَانِ وَثِيقَةً .

الشّرْحُ:

الشواهد هاهنا ، يريد بها الحواسّ وسمّـاها «شواهد» ، إمّا لحضورها ؛ شهد فلان كذا أي حضره ، أو لأنها تشهد على ما تدركه وتثبته عند العقل ، كما يشهد الشاهد بالشيء ويثبته عند الحاكم . والمشاهد هاهنا : المجالس والنوادي ، يقال : حضرت مشهد بني فلان ، أي ناديهم ومجتمعهم . ثم فسّر اللفظة الأُولى وأبان عن مراده بها ، بقوله : «ولا تراه النواظر» ، وفسّر اللفظة الثانية وأبان عن مرادها ، فقال : «ولا تحجبه السواتر» . والمراد بقوله عليه السلام : «الدالّ بحدوث الأشياء على قدمه» ، أي على كونه ذاتا لم يجعلها جاعل ، وليس المراد بالقدم هاهنا الوجود لم يزل ، بل مجرد الذاتيّة لم يزل .
ثم يستدلّ بعد ذلك بحدوث الأشياء على أنّ له صفة أُخرى لم تزل زائدة على مجرّد الذاتيّة ، وتلك الصفة هي وجوده فقد اتّضح المراد الآن .
فإن قلت : فهل لهذا الكلام مساغٌ على مذهب البغداديين؟
قلت : نعم ، إذا حمل على منهج التأويل بأن يريد بقوله : «وبحدوث خلقه على وجوده » ، أي على صحّة إيجاده له فيما بعد ، أي إعادته بعد العدَم يوم القيامة ؛ لأنّه إذا صحّ منه تعالى إحداثه ابتداءً صحّ منه إيجاده ثانيا على وجه الإعادة ؛ لأنّ الماهيّة قابلة للوجود والعدم ، والقادر قادرٌ لذاته ، فأمّا من روى بحدوث خلقه على وجوده ، فإنه قد سقطت عنه هذه الكلف كلّها ، والمعنى على هذا ظاهر ؛ لأنّه تعالى دلّ المكلفين بحدوث خلقه على أنه جواد منعم ، ومذهب أكثر المتكلّمين أنه خلق العالم جودا وإنعاماً وإحساناً إليهم .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
58

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ! اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ ، وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ!

الشّرْحُ:

بأبي أنت وأمّي ! أي بأبي أنت مفدىًّ وأُمّي . والإنباء : الإخبار ، مصدر أنبأ ينبئ ، وروي : «والأنباء» بفتح الهمزة جمع نَبَأ ، وهو الخبر . وأخبار السماء : الوحي .
قوله عليه السلام : «خصّصت وعمّمت» ، أي خصّت مصيبتك أهل بيتك حتى إنهم لا يكترثون بما يصيبهم بعدك من المصائب ، ولا بما أصابهم من قَبْل ، وعمّت هذه المصيبة أيضاً النّاس ، حتى استوى الخلائق كلُّهم فيها ، فهي مصيبة خاصّة بالنسبة ، وعامّة بالنسبة .
قوله عليه السلام : « ولكان الداء مماطلاً » ، أي مماطلاً بالبرء أي لا يجيب إلى الإقلاع . والإبلال : الإفاقة .

231

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لاَ تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ ، وَلاَ تَحْوِيهِ الْمَشَاهِدُ ، وَلاَ تَرَاهُ النَّوَاظِرُ ، وَلاَ تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ ، الدَّالِّ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ ، وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى وَجُودِهِ ، وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لاَ شَبَهَ لَهُ . الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعَادِهِ ، وَارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ ، وَقَامَ بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ ، وَعَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ ، مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ ، وَبِمَا وَسَمَهَا بِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ ، وَبِمَا اضْطَرَّهَا إِلَيْهِ مِنَ الْفَنَاءِ عَلَى دَوَامِهِ .
وَاحِدٌ لاَ بِعَدَدٍ ، وَدَائِمٌ لاَ بِأَمَدٍ ، وَقَائِمٌ لاَ بِعَمَدٍ . تَتَلَقَّاهُ الْأَذْهَانُ لاَ بِمُشَاعَرَةٍ ، وَتَشْهَدُ لَهُ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213178
صفحه از 800
پرینت  ارسال به