619
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

العمى الشديد ، وقيل : هو أن يولد أعمى . والأشْجان : الأحْزان . والرّقَصُ بفتح القاف : الاضطراب والغلَيَان والحَرَكة . والكظَم بفتح الظاء : مجرى النَّفَس . والأبْهران : عِرْقان متّصلان بالقلب ؛ ويقال للميّت : قد انقطَع أبهرَاه .
قوله : «وإنما ينظُر المؤمن» ، إخْبارٌ في الصورة ، وأمْرٌ في المعنى ، أي لينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ، ولْيأكُل منها ببطن الاضطرار ، أي قَدْر الضرورة ، لا احتكار أو استكثار ، ولْيَسْمع حديثَها بأُذُن المَقْت والبُغْض ، أي ليتّخذها عدُوّاً قد صاحَبَه في طريق ، فلْيأخذ حِذْرَه منه جُهْده وطاقته ، ولْيَسْمَع كلامه وحديثه لا استماع مُصْغ ومحِبّ وامِق ، بل استماع مُبغِض محترز مِن غائِلتهِ . ثم عاد إلى وصفِ الدنيا وطالبها فقال : إنْ قيل أثْرَى قيل : أكْدَى ، وفاعِلُ « أثْرَى» هو الضّمير العائد إلى مَن استشعر الشَّغَف بها . يقول : بينا يقال : أَثرَى ، قيل : افتقر ، لأنّ هذه صِفة الدنيا في تقلبها بأهلها ، وإن فرح له بالحياة ودوامِها ، قيل : مات وعَدِم ، هذا ولم يأتهم يومَ القيامة يومٌ هم فيه مُبْلِسون ، أبلس الرجلُ يُبلِسُ إبْلاساً أي قَنِط ويئس ، واللّفظ من لَفظات الكتاب العزيز .

374

الأصْلُ:

۰.إِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وَضَعَ الثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِهِ ، وَالْعِقَابَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ ، ذِيَادَةً لِعِبَادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ ، وَحِيَاشَةً لَهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ .

الشّرْحُ:

ذِيادة ، أي دَفْعاً ذُدْتُه عن كذا ، أي دَفعته ورددته . وحياشةً مصدر حُشْتُ الصّيد بضم الحاء ، أَحوشُه ، إذا جئته من حوالَيه لتَصرِفه إلى الحِبالة ، وكذلك أحشْتُ الصيد وأحْوَشْتُه ، وقد احتوش القومُ الصيد إذا نفّره بعضهم إلى بعض .
وهذا هو مذهب أصحابنا ، إن اللّه تعالى لما كلّف العباد التكاليف الشاقّة ، وقد كان يمكنه


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
618

373

الأصْلُ:

۰.أَيُّهَا النَّاسُ ، مَتَاعُ الدُّنْيَا حُطَامٌ مُوبِئٌ ، فَتَجَنَّبُوا مَرْعَاةً قُلْعَتُهَا أَحْظَى مِنْ طُمَأنِينَتِهَا ، وَبُلْغَتُهَا أَزْكَى مِنْ ثَرْوَتِهَا . حُكِمَ عَلَى مُكْثِريها بِالْفَاقَةِ ، وَأُعِينَ مَنْ غَنِيَ عَنْهَا بِالَّراحَةِ ، مَنْ رَاقَةُ زِبْرِجُهَا أَعْقَبَتْ نَاظِرَيْهِ كَمَهاً ، وَمَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ بِهَا مَلَأَتْ ضَمِيرَهُ أَشْجَاناً ، لَهُنَّ رَقْصٌ عَلَى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ ، هَمٌّ يَشْغَلُهُ ، وَغَمُّ يَحْزُنُهُ ، كَذلِكَ حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ فَيُلْقَى بِالْفَضَاءِ ، مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاهُ ، هَيِّناً عَلى اللّهِ فَناؤُهُ ، وَعَلَى الاْءِخْوَانِ إِلْقَاؤهُ .
وَإِنَّمَا يَنْظُرُ الْمُؤْمِنُ إِلَى الدُّنْيَا بَعَيْنِ الاْعْتِبَارِ ، وَيَقْتَاتُ مِنْهَا بِبَطْنِ الاِضْطِرَارِ ، وَيَسْمَعُ فِيهَا بِأُذُنِ الْمَقْتِ وَالاْءِبْغَاض ، إِنْ قِيلَ أَثْرَى قِيلَ أَكْدَى ! وَإِنْ فُرِحَ لَهُ بِالْبَقَاءِ حُزِنَ لَهُ بِالْفَنَاءِ ! هذَا وَلَمْ يَأْتِهِمْ يَوْمٌ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ .

الشّرْحُ:

مَتاعُ الدنيا : أموالها وقُنْيَاتُها . والحُطام : ما تكسَّر من الحشيش واليَبَس ، وشَبَّه متاع الدنيا بذلك لحقَارته . ومُوبئ : مُحدث للوباء ، وهو المَرَض العامّ . ومَرْعاة : بقعةٌ تُرعى ، كقولك : مَأسَدة ، فيها الأسد ، ومُحياة ، فيها الحَيّات . وقلْعتها بسكون اللام ، خيرٌ من طمأنينتها ، أي كون الإنسان فيها منزعجا متهيّئا . للرّحيل عنها خيرٌ له من أن يكون ساكنا إليها ، مطمئنّا بالمُقام فيها . والبُلْغة : ما يتبلَّغ به . والثّروة : اليسار والغِنَى ، وإنما حُكِم على مُكثريها بالفاقة والفَقْر ؛ لأنّهم لا ينتهون إلى حَدٍّ من الثروة والمال إلاّ وجدّوا واجتَهدوا ، وحَرَصوا في طلب الزّيادة عليه ، فهمْ في كلّ أحوالهم فقراءُ إلى تحصيل المال ، كما أنّ من لا مال له أصلاً يَجدّ ويجتهد في تحصيل المال ، بل ربما كان جدُّهم وحِرْصُهم على ذلك أعظَم من كَدْح الفقير وحرصه ، ورُوي : «وأُعين من غَنِيَ عنها» ، ومن رواه : « أَغْنَى» ، أي أغْنَى اللّهُ ، من غَنِي عنها وزَهِد فيها بالراحة وخلوّ البال وعدم الهمّ والغمّ . والزِّبْرِج : الزّينة ، وراقه : أعجَبَه . والكَمَه :

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 218021
صفحه از 800
پرینت  ارسال به