621
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أيام السيف المسلط على أهل الضلال من المسلمين ، وكذلك ما بعثه اللّه تعالى على بني أُميّة وأتباعهم من سيوف بني هاشم بعد انتقاله عليه السلام .

376

الأصْلُ:

۰.ورُوي أَنَّه عليه السلام قَلَّما اعتَدلَ به المنبرُ إِلاّ قال أَمامَ خطبتِهِ :
أَيُّهَا النَّاسُ ، اتَّقُوا اللّهَ ، فَمَا خُلِقَ امْرُؤٌ عَبَثاً فَيَلْهُوَ ، وَلاَ تُرِكَ سُدىً فَيَلْغُوَ وَمَا دُنْيَاهُ الَّتي تَحَسَّنَتْ لَهُ بِخَلَفٍ مِنَ الآخِرَةِ الَّتي قَبَّحَها سُوءُ النَّظَرِ عِنْدَهُ ، وَمَا الْمَغْرُورُ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الدُّنْيَا بأَعْلَى هِمَّتِهِ كَالاْخَرِ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الاْخِرَةِ بِأَدْنَى سُهْمَتِهِ ۱ .

الشّرْحُ:

قال تعالى : «أفَحَسِبْتُمْ أنّما خَلَقْنَاكُم عَبثا وأنّكم إلينا لا تُرجَعون»۲ .
ومن الكلمات النبويّة : إنّ المرء لم يُترَك سُدىً ، ولم يُخلق عَبَثاً .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ مَن ظَفِر من الدنيا بأعلى وأعظم أمنيّة ليس كآخَرَ ظِفر من الآخرة بأدْوَن درجات أهلِ الثواب ، لا مناسبة ولا قياسَ بين نعيم الدنيا والآخرة .
وفي قوله عليه السلام : «الّتي قبحها سوء المنظَر عندَه» تصريحٌ بمذهب أصحابنا أهلِ العدل رحمهم اللّه ، وهو أنّ الإنسان هو الذي أضلّ نفسَه لسوء نظرِه ، ولو كان اللّه تعالى هو الذي أضلّه لما قال : قبّحها سوء النظر عنده .

1.لها : تلهى بلذاته ، واللهو : اللعب . اللغو : ما لا فائدة فيه . خَلَفَ : ما يخلف الشيء ويأتي بعده . ظفر : فاز . السُّهمة ـ بالضم ـ : النصيب . وأدنى حظّ الآخرة أفضل من أعلاه في الدنيا .

2.سورة المؤمنين ۱۱۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
620

أن يجعلها غير شاقّة عليهم بأن يزيد في قَدْرهم ، وجب أن يكون في مقابلة تلك التكاليف ثواب ؛ لأنّ إلزام المشاق كإنزال المَشاقّ ، فكما يتضمن ذلك عوض ، وجب أن يتضمّن هذا ثوابا ، ولابد أن يكون في مقابلة فعل القبيح عِقاب ، وإلاّ كان سبحانه ممكّنا الإنسان من القبيح ، مغرِيا له بفعله ، إذ الطبع البشري يهوى العاجل ، ولا يَحفِل بالذمّ ، ولا يكون القبيح قبيحا حينئذٍ في العقل ، فلابدّ من العقاب ليقع الانزجار .

375

الأصْلُ:

۰.يَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَانٌ لاَ يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلاَّ رَسْمُهُ ، وَمِنَ الاْءِسْلاَمِ إِلاَّ اسْمُهُ ، وَمَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ الْبِنَاءِ ، خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى ، سُكَّانُهَا وَعُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ الْأَرْض ، مِنْهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ ، وَإِلَيْهِمْ تَأْوِي الْخَطِيئَةُ ؛ يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ عَنْهَا فِيهَا ، وَيَسُوقُونَ مَنْ تأَخَّرَ عَنْهَا إِلَيْهَا . يَقُولُ اللّهُ سُبْحَانَهُ : فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولئِكَ فِتْنَةً أترُكُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ . وَقَدْ فَعَلَ ، وَنَحْنُ نَسْتَقِيلُ اللّهَ عَثْرَةَ الْغَفْلَةِ .

الشّرْحُ:

هذه صفةُ حالِ أهلِ الضّلال والفِسق والرِّياء من هذه الأُمّة ، ألا تراه يقول : سُكّانها وعُمّارها ، يعني سكّان المساجد ، وعمّار المساجد شرّ أهل الأرض ؛ لأنهم أهل ضلالة كمن يَسكن المساجد الآن ممّن يعتقد التجسم والتشبيه والصّورة والنّزول والصعود والأعضاء والجوارح، ومن يقول بالقَدَر يُضِيف فعل الكُفْر والجهل والقبيح إلى اللّه تعالى ، فكل هؤلاء أهل فتنة ، يردُّون من خرج منها إليها ، ويسوقون من لم يدخل فيها إليها أيضا .
ثم قال حاكياً عن اللّه تعالى : إنه حلف بنفسه ليبعثنّ على أولئك فتنةً ، يعني استئصالاً وسيفاً حاصداً يترك الحليمَ أي العاقل اللّبيب فيها حيران لا يعلم كيف وجهُ خَلاصه .
ثم قال عليه السلام : وقد فعل . وينبغي أن يكون قد قال هذا الكلام في أيام خلافته ، لأنّها كانت

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 212743
صفحه از 800
پرینت  ارسال به