وَالْجُمُودَ بِالْبَلَلِ ، وَالْحَرُورَ بِالصَّرَدِ . مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا ، مُقَارِنٌ بَيْنَ مُتَبَايِنَاتِهَا ، مُقَرِّبٌ بَيْنَ مُتَبَاعِدَاتِهَا ، مُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا . لاَ يُشْمَلُ بِحَدٍّ ، وَلاَ يُحْسَبُ بِعَدٍّ ، وَإِنَّمَا تَحُدُّ الْأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا ؛ وَتُشِيرُ الاْلاَتُ إِلَى نَظَائِرِهَا .
الشّرْحُ:
المشاعر : الحواسّ ، قال بَلْعاء بن قَيس :
والرّأسُ مُرْتَفِعٌ فيهِ مشاعِرُهُيَهْدِي السّبيلَ له سَمعٌ وعَيْنَانِ
قال : بجعله تعالى المشاعر عُرِف أن لا مشعرَ له ؛ وذلك لأنّ الجسم لا يصحّ منه فعل الأجسام ، وهذا هو الدليل الذي يعوِّل عليه المتكلّمون في أنّه تعالى ليس بجسم .
ثم قال : «وبمضادّته بين الأُمور عرف أن لا ضدّ له» ؛ وذلك لأنّه تعالى لما دلّنا بالعقل على أن الأُمور المتضادة إنّما تتضادّ على موضوع تقوم به وتحلّه كان قد دلّنا على أنّه تعالى لاضد له ؛ لأنّه يستحيل أن يكون قائماً بموضوع يحلّه كما تقوم المتضادّات بموضوعاتها . ثم قال : «وبمقارنته بين الأشياء عُرِف أن لا قرين له» ؛ وذلك لأنّه تعالى قَرن بين العَرض والجوْهر ، بمعنى استحالة انفكاك أحدهما عن الآخر ، وقَرَن بين كثير من الأعراض ، واستحالة انفكاك أحد الأمرين عن الآخر ، علمنا أنه لا قرينَ له سبحانه ؛ لأنّه لو قارن شيئاً على حسب هذه المقارنة لاستحالة انفكاكه عنه ، فكان محتاجا في تحقق ذاته تعالى إليه ، وكلّ محتاج ممكن ، فواجب الوجود ممكن ! هذا محال .
ثم شرع في تفصيل المتضادات ، فقال : «ضاد النّورَ بالظُّلْمة» ، وهما عَرَضان عند كثير من النّاس ، وفيهم مَنْ يجعل الظلمة عدميّة . قال : «والوضوحَ بالبُهْمة» ، يعني البياض والسواد . قال : «والجمودَ بالبَلَل» ، يعني اليبوسة والرطوبة . قال : «والحَرورَ بالصَّرْد» ، يعني الحرارة والبرودة ، والحرور هاهنا مفتوح الحاء ، يقال : إني لأجد لهذا الطعام حَروراً وحَرورة في فمي ، أي حرارة ، ويجوز أن يكون في الكلام مضاف محذوف ، أي وحَرارة الحَرور بالصَّرْد ؛ والحرور هاهنا يكون الريح الحارّة ، وهي بالليل كالسَّموم بالنهار ، والصَّرْد : البرْد .
ثم قال : وإنّه تعالى مؤلِّف بين هذه المتباعدات . المتعاديات : المتباينات ، وليس المراد من تأليفه بينهما جمعه إيّاها في مكان واحد ، كيف وذلك مستحيل في نفسِه ، بل هو سبحانه