يَجْرِي عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ ، وَيَعُودُ فِيهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ ، وَيَحْدُثُ فِيهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ ! إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ ، وَلَتجَزَّأَ كُنْهُهُ ، وَلاَمْتَنَعَ مِنَ الْأَزَلِ مَعْنَاهُ ، وَلَكَانَ لَهُ وَرَاءٌ إِذْ وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ ، وَلاَلْتَمَسَ التََّمامَ إِذْ لَزِمَهُ الْنُّقْصَانُ ؛ وَإِذاً لَقَامَتْ آيَةُ الْمَصْنُوعِ فِيهِ ، وَلَتَحَوَّلَ دَلِيلاً بَعْدَ أَنْ كَانَ مَدْلُولاً عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ بِسُلْطَانِ الاِْمْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ مَا يُؤثِّرُ فِي غَيْرِهِ .
الشّرْحُ:
قد اختلف الرواة في هذا الموضع من وجهين :
أحدهما : قول مَنْ نصب «القِدمة» و «الأزليّة» و «التكملة» فيكون نصبها عنده على أنّها مفعول ثانٍ ، والمفعول الأوّل الضمائر المتصلة بالأفعال ، وتكون « منذ » و «قد» و «لولا» في موضع رفع بأنّها فاعلة ، وتقدير الكلام : إنّ إطلاق لفظة «منذ» على الآلات والأدوات يمنعها عن كونها قديمة ؛ لأنّ لفظة « منذ » وضعت لابتداء الزمان كلفظة «من» لابتداء المكان ، والقديم لا ابتداء له ، وكذلك إطلاق لفظة «قد» على الآلات ، والأدوات تحميها وتمنعها من كونها أزليّة ؛ لأنّ «قد» لتقريب الماضي من الحال ، تقول : قد قام زيد ، فقد دلّ على أن قيامه قريب من الحال التي أخبرت فيها بقيامه ، والأزليّ لا يصحّ ذلك فيه ، وكذلك إطلاق لفظة « لولا» على الأدوات والآلات يجنّبها التكملة ، ويمنعها من التمام المطلق ؛ لأنّ لفظة «لولا» وضعت لامتناع الشيء لوجود غيره ، كقولك : لولا زيد لقام عمرو ، فامتناع قيام عمرو إنّما هو لوجود زيد ، وأنت تقول في الأدوات والآلات وكلّ جسم : ما أحسنه لولا أنه فانٍ ! وما أتمّه لولا كذا ! فيكون المقصد والمنحَى بهذا الكلام على هذه الرواية بيان أنّ الأدوات والآلات محدَثة ناقصة ، والمراد بالآلات والأدوات أربابُها .
الوجه الثاني : قول مَنْ رفع «القِدمة» و «الأزلية» و «التكملة» فيكون كلّ واحد منها عنده فاعلا ، وتكون الضمائر المتّصلة بالأفعال مفعولاً أوّلاً ، و «منذ» و «قد» و «لولا» مفعولاً ثانيا ، ويكون المعنى أنّ قِدَم الباري وأزليّته وكماله منعت الأدوات والآلات من إطلاق لفظة «منذ» و «قد» و «لولا» عليه سبحانه ؛ لأنّه تعالى قديم كامل ، ولفظتا «منذ» و «قد» لا يطلقان إلاّ على محدَث ؛ لأنّ إحدَاهما لابتداء الزمان والأُخرى لتقريب الماضي من