73
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أنه يلزم من فرض وقوع أحدهما وقوع الآخر ، وكيف وآدم والد وليس بمولود ! وإنّما المراد أنه يلزم من فرض صحّة كونه والدا صحّةُ كونه مولودا ، وبالتالي محال والمقدّم محال . وأمّا بيان أنّه لا يصح كونه مولودا ، فلأنّ كلّ مولود متأخّر عن والده بالزّمان ، وكلّ متأخر عن غيره بالزّمان محدَث ، فالمولود محدَث والبارئ تعالى قد ثبت أنه قديم ، وأنّ الحدوث عليه محال ، فاستحال أن يكون مولودا ، وتمّ الدليل .

الأصْلُ:

۰.وَلاَ يُوصَفُ بِشَيءٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ ، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ ، وَلاَ بِعَرَضٍ مِنَ الْأَعْرَاضِ ، وَلاَ بِالْغَيْرِيَّةِ وَالْأَبْعَاضِ ، وَلاَ يُقَالُ : لَهُ حَدٌّ وَلاَ نِهَايَةٌ ، وَلاَ انقِطَاعٌ وَلاَ غَايَةٌ ؛ وَلاَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ تَحْوِيهِ ؛ فَتُقِلَّهُ أَوْ تُهْوِيَهُ ، أَوْ أَنَّ شَيْئاً يَحْمِلُهُ فَيُمِيلَهُ أَوْ يُعَدِّلَهُ . لَيْسَ فِي الْأَشْيَاءِ بِوَالِجٍ ، وَلاَ عَنْهَا بِخَارِجٍ . يُخْبِرُ لاَ بِلِسَانٍ وَلَهَوَاتٍ ، وَيَسْمَعُ لاَ بِخُرُوقٍ وَأَدَوَاتٍ . يَقُولُ وَلاَ يَلْفِظُ ، وَيَحْفَظُ وَلاَ يَتَحَفَّظُ ، وَيُرِيدُ وَلاَ يُضْمِرُ . يُحِبُّ وَيَرْضَى مِنْ غَيْرِ رِقَّةٍ ، وَيُبْغِضُ وَيَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ ، يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ كَوْنَهُ : كُنْ فَيَكُونُ . لاَ بِصَوْتٍ يَقْرَعُ ، وَلاَ بِنِدَاءٍ يُسْمَعُ ؛ وَإِنَّمَا كَلاَمُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَمَثَّلَهُ ، لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذلِكَ كَائِناً ، وَلَوْ كَانَ قَدِيماً لَكَانَ إِلهاً ثَانِياً .

الشّرْحُ:

في هذا الفصل مباحث :
أولها : أنّ البارئ سُبْحانه لا يوصَف بشيء من الأجزاء ، أي ليس بمركّب ؛ لأنّه لو كان مركّبا لافتقر إلى أجزائه ، وأجزاؤه ليست نفس هويّته ، وكلّ ذاتٍ تفتقر هويّتها إلى أمر من الأُمور فهي ممكنة ؛ لكنّه واجب الوجود ، فاستحال أن يوصَف بشيء من الأجزاء .
وثانيها : أنّه لا يوصَف بالجوارح والأعضاء كما يقول مثبتو الصورة ، وذلك لأنّه لو كان كذلك لكان جسما ، وكلّ جسم ممكن ، وواجب الوجود غير ممكن .
وثالثها : أنّه لا يوصَفُ بعرَض من الأعراض كما يقوله الكرَّاميّة ؛ لأنّه لو حلّه العَرَض


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
72

منتقلاً من حال إلى حال لتحقّق فيه دليل الحدوث ، فكان مصنوعا ، وقد ثبت أنّه الصّانع المطلق سبحانه . قوله عليه السلام : «ولتحوّل دليلاً بعد أن كان مدلولاً عليه» ، يقول : إنا وجدنا دليلنا على البارئ سبحانه ، إنما هو الأجسام المتحرّكة ، فلو كان البارئ متحرّكا لكان دليلاً على غيره ، وكان فوقه صانع آخر صنعه وأحدثه ، لكنه سبحانه لا صانعَ له ولا ذات فوق ذاته ، فهو المدلول عليه والمنتهى إليه . قوله عليه السلام : «وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما أثر في غيره» ، في هذا الكلام يتوهّم سامعه أنه عطف على قوله : «لتفاوتت» ، و «لتجزأ» ، و « لامتنع» ، و «لكان له» ، «ولالتمس» ، و «لقامت» ، و «لتحوّل» وليس كذلك ؛ لأنّه لو كان معطوفاً عليها لاختلّ الكلام وفسد ؛ لأنها كلها مستحيلات عليه تعالى ، والمراد لو تحرّك لزم هذه المحالات كلّها . «وخرج بسلطان الامتناع» ليس من المستحيلات عليه ، بل هو واجب له ، ومن الأُمور الصادقة عليه ، فإذا فسد أن يكون معطوفا عليها وجب أن يكون معطوفا على ما كان مدلولاً عليه ، وتقدير الكلام : كان يلزم أن يتحوّل البارئ دليلاً على غيره ، بعد أن كان مدلولاً عليه ، وبعد أن خرج بسلطان الامتناع من أن يؤثّر فيه ما أثّر في غيره ، وخروجه بسلطان الامتناع المراد به وجوب الوجود والتجريد وكونه ليس بمتحيّز ولا حالّ في المتحيّز ، فهذا هو سلطان الامتناع الذي به خرج عن أن يؤثّر فيه ما أثّر في غيره من الأجسام والممكنات .

الأصْلُ:

۰.الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْأُفُولُ . لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْلُوداً ، وَلَمْ يُولَدْ فَيَصِيرَ مَحْدُوداً . جَلَّ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَبْنَاءِ ، وَطَهُرَ عَنْ مُلاَمَسَةِ النِّسَاءِ ؛ لاَ تَنَالُهُ الْأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ ، وَلاَ تَتَوَهَّمُهُ الْفِطَنُ فَتُصَوِّرَهُ ، وَلاَ تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ فَتُحِسَّهُ ، وَلاَ تَلْمِسُهُ الْأَيْدِي فَتَمَسَّهُ ، وَلاَ يَتَغَيَّرُ بِحَالٍ ، وَلاَ يَتَبَدَّلُ فِي الْأَحْوَالِ ، وَلاَ تُبْلِيهِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ ، وَلاَ يُغَيِّرُهُ الضِّيَاءُ وَالظَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

هذا الفصل كلّه واضح مستغنٍ عن الشرح ، إلاّ قوله عليه السلام : «لم يلد فيكون مولوداً» ؛ لأنّ لقائل أن يقول : كيف يلزم من فرض كونه والداً أن يكون مولودا ؟ في جوابه : إنه ليس معنى الكلام

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249903
صفحه از 800
پرینت  ارسال به