كونِه ذا جارحة ، فوجب الاقتصار على ماورد ، وتركُ ما لم يرِد .
وثالث عشرها : أنّه تعالى يحفظُ ولا يتحفّظ ؛ أمّا كونه يحفظ فيطلَق على وجهين : أحدهما أنه يحفظ بمعنى أنه يحصِي أعمال عباده ويعلمها ، والثاني كونه يحفظُهم ويحرسهم من الآفات والدّواهي . وأمّا كونه لا يتحفّظ فيحتمل معنيين . أحدهما أنّه لا يجوز أن يطلق عليه أنه يتحفّظ الكلام ، أي يتكلّف كونه حافظا له ، ومحيطا وعالما به ، كالواحد منا يتحفّظ الدرس ليحفَظه ، فهو سبحانه حافظٌ غير متحفّظ . والثاني أنه ليس بمتحرّز ولا مشفق على نفسه خوفا أن تبدر إليه بادرة من غيره .
ورابع عشرها : أنّه يريد ولا يضمر ، أمّا كونه مريدا فقد ثبت بالسّمع نحو قوله تعالى : «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ»۱ ، وبالعقل لاختصاص أفعاله بأوقات مخصوصة ، وكيفيّات مخصوصة ، جاز أن تقع على خلافها ، فلا بدّ من مخصّص لها بما اختصّت به ؛ وذلك كونه مريداً ، وأمّا كونه لا يضمر فهو إطلاق لفظيّ لم يأذن فيه الشَّرع ، وفيه إيهام كونه ذا قلب ؛ لأنّ الضمير في العرْف اللغويّ ما استكنّ في القلب ، والبارئ ليس بجسم .
وخامس عشرها : أنّه يحبّ ويرضى من غير رقّة ، ويبغِض ويغضب من غير مشقّة ؛ وذلك لأنّ محبته للعبد إرادته أن يثيبه ، ورضاه عنه أن يحمَد فعله ، وهذا يصحّ ويطلق على البارئ ، لا كإطلاقه علينا ؛ لأنّ هذه الأوصاف يقتضي إطلاقها علينا رِقّة القلب ، والبارئ ليس بجسم ، وأمّا بغضه للعبد فإرادة عقابه وغضبِهِ كراهية فعله ووعيده بإنزال العقاب به .
وسادس عشرها : أنّه يقول لمن أراد كونه : كن ، فيكون من غير صوت يقرع ، ولا نداء يسمع ، والظَّاهر أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أطلَقه حملاً على ظاهر لفظ القرآن في مخاطبة الناس بما قد سمعوه وأنسوا به ، وتكرّر على أسماعهم وأذهانهم .
وسابع عشرها : أنّ كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ، ومثّله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا ، هذا هو دليل المعتزلة على نفي المعاني القديمة الّتي منها القرآن ؛ وذلك لأنّ القِدَم عندهم أخصّ صفات البارئ تعالى ، أو موجب عن الأخصّ ، فلو أنّ في الوجود معنىً قديما قائما بذات البارئ ؛ لكان ذلك المعنى مشاركا للبارئ في أخصّ صفاته ، وكان يجب لذلك المعنى جميع ما وجب للبارئ من الصّفات ، نحو العالميّة والقادريّة وغيرهما ، فكان إلها ثانيا .