75
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

كونِه ذا جارحة ، فوجب الاقتصار على ماورد ، وتركُ ما لم يرِد .
وثالث عشرها : أنّه تعالى يحفظُ ولا يتحفّظ ؛ أمّا كونه يحفظ فيطلَق على وجهين : أحدهما أنه يحفظ بمعنى أنه يحصِي أعمال عباده ويعلمها ، والثاني كونه يحفظُهم ويحرسهم من الآفات والدّواهي . وأمّا كونه لا يتحفّظ فيحتمل معنيين . أحدهما أنّه لا يجوز أن يطلق عليه أنه يتحفّظ الكلام ، أي يتكلّف كونه حافظا له ، ومحيطا وعالما به ، كالواحد منا يتحفّظ الدرس ليحفَظه ، فهو سبحانه حافظٌ غير متحفّظ . والثاني أنه ليس بمتحرّز ولا مشفق على نفسه خوفا أن تبدر إليه بادرة من غيره .
ورابع عشرها : أنّه يريد ولا يضمر ، أمّا كونه مريدا فقد ثبت بالسّمع نحو قوله تعالى : «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ»۱ ، وبالعقل لاختصاص أفعاله بأوقات مخصوصة ، وكيفيّات مخصوصة ، جاز أن تقع على خلافها ، فلا بدّ من مخصّص لها بما اختصّت به ؛ وذلك كونه مريداً ، وأمّا كونه لا يضمر فهو إطلاق لفظيّ لم يأذن فيه الشَّرع ، وفيه إيهام كونه ذا قلب ؛ لأنّ الضمير في العرْف اللغويّ ما استكنّ في القلب ، والبارئ ليس بجسم .
وخامس عشرها : أنّه يحبّ ويرضى من غير رقّة ، ويبغِض ويغضب من غير مشقّة ؛ وذلك لأنّ محبته للعبد إرادته أن يثيبه ، ورضاه عنه أن يحمَد فعله ، وهذا يصحّ ويطلق على البارئ ، لا كإطلاقه علينا ؛ لأنّ هذه الأوصاف يقتضي إطلاقها علينا رِقّة القلب ، والبارئ ليس بجسم ، وأمّا بغضه للعبد فإرادة عقابه وغضبِهِ كراهية فعله ووعيده بإنزال العقاب به .
وسادس عشرها : أنّه يقول لمن أراد كونه : كن ، فيكون من غير صوت يقرع ، ولا نداء يسمع ، والظَّاهر أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أطلَقه حملاً على ظاهر لفظ القرآن في مخاطبة الناس بما قد سمعوه وأنسوا به ، وتكرّر على أسماعهم وأذهانهم .
وسابع عشرها : أنّ كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ، ومثّله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا ، هذا هو دليل المعتزلة على نفي المعاني القديمة الّتي منها القرآن ؛ وذلك لأنّ القِدَم عندهم أخصّ صفات البارئ تعالى ، أو موجب عن الأخصّ ، فلو أنّ في الوجود معنىً قديما قائما بذات البارئ ؛ لكان ذلك المعنى مشاركا للبارئ في أخصّ صفاته ، وكان يجب لذلك المعنى جميع ما وجب للبارئ من الصّفات ، نحو العالميّة والقادريّة وغيرهما ، فكان إلها ثانيا .

1.سورة البقرة ۱۸۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
74

لكان ذلك العَرض ليس بأنْ يُحلّ فيه أوْلى من أن يَحُلّ هو في العرَض .
ورابعها : أنّه لا يوصف بالغيريّة والأبعاض ، أي ليس له بَعْض ، ولا هو ذو أقسام بعضها غيرا للبعض الآخر .
وخامسها : أنّه لا حدّ له ولا نهاية ، أي ليس ذا مقدار ، ولذلك المقدار طرَف ونهاية ؛ لأنّه لو كان ذا مقدار لكان جسما .
وسادسها : أنّه لا انقطاع لوجوده ، ولا غاية ؛ لأنّه لو جاز عليه العدم فيالمستقبَل لكان وجوده الآن متوقّفا على عدم سبب عدمه ، وكلّ متوقف على الغير فهو ممكن في ذاته ، والبارئ تعالى واجب الوجوب ، فاستحال عليه العدَم .
وسابعها : أنّ الأشياء لا تحويه فتقلّه ، أي ترفعه ، أو تهويه ، أي تجعله هاويا إلى جهة تحت ؛ لأنّه لو كان كذلك لكان ذا مقدار أصغر من مقدار الشيء الحاوي له ، لكنْ قد بينّا أنه يستحيل عليه المقادير ، فاستحال كونه محويّا .
وثامنها : أنّه ليس يحمله شيء فيميله إلى جانب ، أو يعد له بالنسبة إلى جميع الجوانب ؛ لأنّ كلّ محمول مقدّر ، وكلّ مُقدّر جسم ، وقد ثبت أنّه ليس بجسم .
وتاسعها : أنّه ليس في الأشياء بوالج ، أي داخل . ولا عنها بخارج ، هذا مذهب الموحدين .
وعاشرها : أنّه تعالى يخبر بلا لسان ولهَوات ؛ وذلك لأنّ كونه تعالى مخبرا هو كونه فاعلاً للخبر ، فلا يحتاج في كونه مخبراً إلى لسان ولهَوات يخبر بها .
وحادي عشرها : أنه تعالى يسمع بلا حروف وأدوات ؛ وذلك لأنّ البارئ سبحانه حيٌّ لا آفة به ؛ وكلّ حيٍّ لا آفة به ؛ فواجب أن يَسمع المسموعات ، ويبصر المبصرات ، ولا حاجة به سبحانه إلى حروف وأدوات ، كما نحتاج نحن إلى ذلك ، لأنَّا أحياء بحياة تحلّنا ، والبارئ تعالى حيٌّ لذاته .
وثاني عشرها : أنّه يقول ولا يتلفّظ ، هذا بحث لفظيّ ؛ وذلك لأنّه قد ورد السمع بتسميته قائلاً ، وقد تكرر في الكتاب العزيز ذكر هذه اللفظة ، نحو قوله : «إذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى»۱«وَقَالَ اللّهُ إنّي مَعَكُم»۲ ، ولم يرد في السمع إطلاق كونه متلفّظا عليه ، وفي إطلاقه إيهام

1.سورة المائدة ۱۱۰ .

2.سورة المائدة ۱۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249851
صفحه از 800
پرینت  ارسال به