فإن قلت : ما معنى قوله عليه السلام «ومثّله»؟
قلت : يقال : مثّلت له كذا تمثيلاً ، إذا صوّرتَ له مثاله بالكتابة أو بغيرها ، فالبارئ مثّل القرآنَ لجبريل عليه السلام بالكتابة في اللّوْح المحفوظ فأنزله على محمّد صلى الله عليه و آله وسلم . وأيضا يقال : مثل زيد بحضرتي إذا حضر قائما ، ومثّلته بين يدي زيد أي أحضرته منتصبا ، فلمّا كان اللّه تعالى فعل القرآن واضحا بيّنا كان قد مثّله للمكلّفين .
الأصْلُ:
۰.لاَ يُقَالُ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَاتُ ، وَلاَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَصْلٌ ، وَلاَ لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ ، فَيَسْتَوِيَ الصَّانِعُ وَالْمَصْنُوعُ ، وَيَتَكَافَأَ الْمُبْتَدَعُ وَالْبَدِيعُ .
خَلَقَ الْخَلاَئِقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلاَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَى خَلْقِهَا بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ ، وَأَنْشَأَ الْأَرْضَ فَأَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ ، وَأَرْسَاهَا عَلَى غَيْرِ قَرَارٍ ، وَأَقَامَهَا بِغَيْرِ قَوَائِمَ ، وَرَفَعَهَا بِغَيْرِ دَعَائِمَ ، وَحَصَّنَهَا مِنَ الْأَوَدِ وَالاِْعْوِجَاجِ ، وَمَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ وَالاِنْفِرَاجِ . أَرْسَى أَوْتَادَهَا ، وَضَرَبَ أَسْدَادَهَا ، وَاسْتَفَاضَ عُيُونَهَا ، وَخَدَّ أَوْدِيَتَهَا ؛ فَلَمْ يَهِنْ مَا بَنَاهُ ، وَلاَ ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ .
الشّرْحُ:
عاد عليه السلام إلى تنزيه البارئ تعالى عن الحدُوث ، فقال : لا يجوز أن يوصَف به فتجري عليه الصّفات المحدَثات كما تجري على كلّ محدَث ، وروي : «فتجري عليه صفات المحدَثات» وهو أليَق ، ليعود إلى المحدَثات ذوات الصفات ما بعده ؛ وهو قوله عليه السلام : «ولا يكون بينه وبينها فصل» ، لأنّه لا يحسن أن يعود الضمير في قوله : «وبينها» إلى «الصفات» بل إلى «ذوات الصفات» . قال : لو كان محدَثاً لجرت عليه صفات الأجسام المحدَثة ، فلم يكن بينه وبين الأجسام المحدَثة فرْق ، فكان يستوي الصانع والمصنوع ، وهذا محال . ثم ذكر أنّه خلق الخلْق غير محتذٍ لمثال ، ولا مستفيد من غيره كيفيّة الصنعة ، بخلاف الواحد منّا ، فإنّ الواحد