شَرِيكٍ فِي شِرْكِهِ ، وَلاَ لِوَحْشةٍ كَانَتْ مِنْهُ ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَأنِسَ إِلَيْهَا . ثُمَّ هُوَ يُفْنِيهَا بَعْدَ تَكْوِينِهَا ؛ لاَ لِسَأَمٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي تَصْرِيفِهَا وَتَدْبِيرِهَا ، وَلاَ لِرَاحَةٍ وَاصِلَةٍ إِلَيْهِ ، وَلاَ لِثِقَلِ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ . لاَ يُمِلُّهُ طُولُ بَقَائِهَا فَيَدْعُوَهُ إِلَى سُرْعَةِ إِفْنَائِهَا ، وَلكِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ ، وَأَمْسَكَهَا بِأَمْرِهِ ، وَأَتْقَنَهَا بِقُدْرَتِهِ ، ثُمَّ يُعِيْدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا ، وَلاَ اسْتِعَانَةٍ بَشَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهَا ، وَلاَ لاِنْصِرَافٍ مِنْ حَالِ وَحْشَةٍ إِلَى حَالِ اسْتِئْنَاسٍ ، وَلاَ مِنْ حَالِ جَهْلٍ وَعَمىً إِلَى عِلْمٍ وَالْتَِماسٍ ، وَلاَ مِنْ فَقْرٍ وَحَاجَةٍ إِلَى غِنىً وَكَثْرَةٍ ، وَلاَ مِنْ ذُلٍّ وَضَعَةٍ إِلَى عِزٍّ وَقُدْرَةٍ .
الشّرْحُ:
شرع أوّلاً في ذكر إعدام اللّه سبحانه الجواهر وما يتبعها ، ويقوم بها من الأعراض قبل القيامة ، وذلك لأنّ الكتاب العزيز قد ورد به ، نحو قوله تعالى : «كَمَا بَدَأْنَا أوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ»۱ ؛ ومعلوم أنه بدأه عن عدم ، فوجب أن تكون الإعادة عن عدم أيضاً . وقال تعالى : «هَوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ»۲ ؛ وإنّما كان أوّلاً لأنّه كان موجودا ، ولا شيء من الأشياء بموجود ، فوجب أن يكون آخراً كذلك ، هذا هو مذهب جمهور أصحابنا وجمهور المسلمين .
ثم ذكر أنّه يكون وحده سبحانه بلا وقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان ؛ وذلك لأنّ المكان إمّا الجسم الذي يتمكّن عليه جسم آخر ، أو الجهة ، وكلاهما لا وجودَ له بتقدير عدم الأفلاك وما في حشوها من الأجسام ، أما الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ الجهة لا تتحقّق إلاّ بتقدير وجود الفلَك ؛ لأنها أمرٌ إضافيٌّ بالنسبة إليه ، فبتقدير عدمه لا يبقى للجهة تحقّق أصلاً ، وأمّا الزّمان والوقت والحين فكلّ هذه الألفاظ تعطي معنىً واحداً ، ولا وجود لذلك المعنى بتقدير عدم الفلك ؛ لأنّ الزمان هو مقدار حركة الفلك ، فإذا قدّرنا عدم الفلك فلا حرَكة ولا زمان . ثم أوضح عليه السلام ذلك وأكّده ، فقال : «عُدمت عند ذلك الآجال والأوقات ،