79
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

شَرِيكٍ فِي شِرْكِهِ ، وَلاَ لِوَحْشةٍ كَانَتْ مِنْهُ ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَأنِسَ إِلَيْهَا . ثُمَّ هُوَ يُفْنِيهَا بَعْدَ تَكْوِينِهَا ؛ لاَ لِسَأَمٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي تَصْرِيفِهَا وَتَدْبِيرِهَا ، وَلاَ لِرَاحَةٍ وَاصِلَةٍ إِلَيْهِ ، وَلاَ لِثِقَلِ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ . لاَ يُمِلُّهُ طُولُ بَقَائِهَا فَيَدْعُوَهُ إِلَى سُرْعَةِ إِفْنَائِهَا ، وَلكِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ ، وَأَمْسَكَهَا بِأَمْرِهِ ، وَأَتْقَنَهَا بِقُدْرَتِهِ ، ثُمَّ يُعِيْدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا ، وَلاَ اسْتِعَانَةٍ بَشَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهَا ، وَلاَ لاِنْصِرَافٍ مِنْ حَالِ وَحْشَةٍ إِلَى حَالِ اسْتِئْنَاسٍ ، وَلاَ مِنْ حَالِ جَهْلٍ وَعَمىً إِلَى عِلْمٍ وَالْتَِماسٍ ، وَلاَ مِنْ فَقْرٍ وَحَاجَةٍ إِلَى غِنىً وَكَثْرَةٍ ، وَلاَ مِنْ ذُلٍّ وَضَعَةٍ إِلَى عِزٍّ وَقُدْرَةٍ .

الشّرْحُ:

شرع أوّلاً في ذكر إعدام اللّه سبحانه الجواهر وما يتبعها ، ويقوم بها من الأعراض قبل القيامة ، وذلك لأنّ الكتاب العزيز قد ورد به ، نحو قوله تعالى : «كَمَا بَدَأْنَا أوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ»۱ ؛ ومعلوم أنه بدأه عن عدم ، فوجب أن تكون الإعادة عن عدم أيضاً . وقال تعالى : «هَوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ»۲ ؛ وإنّما كان أوّلاً لأنّه كان موجودا ، ولا شيء من الأشياء بموجود ، فوجب أن يكون آخراً كذلك ، هذا هو مذهب جمهور أصحابنا وجمهور المسلمين .
ثم ذكر أنّه يكون وحده سبحانه بلا وقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان ؛ وذلك لأنّ المكان إمّا الجسم الذي يتمكّن عليه جسم آخر ، أو الجهة ، وكلاهما لا وجودَ له بتقدير عدم الأفلاك وما في حشوها من الأجسام ، أما الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ الجهة لا تتحقّق إلاّ بتقدير وجود الفلَك ؛ لأنها أمرٌ إضافيٌّ بالنسبة إليه ، فبتقدير عدمه لا يبقى للجهة تحقّق أصلاً ، وأمّا الزّمان والوقت والحين فكلّ هذه الألفاظ تعطي معنىً واحداً ، ولا وجود لذلك المعنى بتقدير عدم الفلك ؛ لأنّ الزمان هو مقدار حركة الفلك ، فإذا قدّرنا عدم الفلك فلا حرَكة ولا زمان . ثم أوضح عليه السلام ذلك وأكّده ، فقال : «عُدمت عند ذلك الآجال والأوقات ،

1.سورة الأنبياء ۱۰۴ .

2.سورة الحديد ۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
78

الشّرْحُ:

الظاهر : الغالب القاهر . والباطن : العالم الخبير . والمُراح بضم الميم : النَّعم تُردُّ إلى المُراح ، بالضمّ أيضا ؛ وهو الموضع الذي تأوي إليه النّعم ، وليس المُراح ضدّ السائم على ما يظنّه بعضهم . وأسناخها : جمع سِنْخ بالكسر ، وهو الأصل .
وقوله : «ولو اجتمع جميع حيوانها على إحداث بعوضة» ، هو معنى قوله سبحانه : «إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابا وَلَوِ اجتَمَعُوا لَهُ»۱ .
فإن قلت: ما معنى قوله: «لا تستطيع الهربَ من سُلْطانه إلى غيره فتمتنع مِنْ نَفْعِه وضرّه»؟ وهلاّ قال : «من ضرّه» ؟ ولم يذكر النفع ، فإنه لا معنى لذكره هاهنا!
قلت : هذا كما يقول المعتصم بمعقِل حصين عن غيره : ما يقدر اليوم فلان لي على نفع ولا ضرّ، وليس غرضه إلاّ ذكر الضّرر ، وإنما يأتي بذكر النّفع على سبيل سلْب القدرة عن فلان على كلّ ما يتعلق بذلك المعتصم ، وأيضاً فإنّ العفو عن المجرم نفعٌ له ، فهو عليه السلام يقول : إنه ليس شيء من الأشياء يستطيع أن يخرج إذا أجرم من سلطان اللّه تعالى إلى غيره فيمتنع من بأس اللّه تعالى ، ويستغني عن أن يعفو عنه لعدم اقتداره عليه .

الأصْلُ:

۰.وَإِنّه سُبْحَانَهُ يَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُ لاَ شَيْءَ مَعَهُ . كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا ، كَذلِكَ يَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا ، بِلاَ وَقْتٍ وَلاَ مَكَانٍ ، وَلاَ حِينٍ وَلاَ زَمَانٍ . عُدِمَتْ عِنْدَ ذلِكَ الاْجَالُ وَالْأَوْقَاتُ ، وَزَالَتِ السِّنُونَ وَالسَّاعَاتُ ، فَلاَ شَيْءَ إِلاَّ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَارُ ؛ الَّذِي إِلَيْهِ مَصِيرُ جَمِيعِ الْأُمُورِ . بِلاَ قُدْرَةٍ مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا ، وَبِغَيْرِ امْتِنَاعٍ مِنْهَا كَانَ فَنَاؤُهَا ، وَلَوْ قَدَرَتْ عَلَى الاِمْتِنَاعِ لَدَامَ بَقَاؤُهَا .
لَمْ يَتَكَاءَدْهُ صُنْعُ شَيْءٍ مِنْهَا إِذْ صَنَعَهُ ، وَلَمْ يَؤُدْهُ مِنْهَا خَلْقُ مَا بَرَأه وخَلَقَهُ ، وَلَمْ يُكَوِّنْهَا لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ ، وَلاَ لِخَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَنُقْصَانٍ ، وَلاَ لِلاِسْتِعَانَةِ بِهَا عَلَى نِدٍّ مُكَاثِرٍ ، وَلاَ لِلاِحْتِرَازِ بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ ، وَلاَ لِلاِزْدِيَادِ بِهَا فِي مُلْكِهِ ، وَلاَ لِمُكَاثَرَةِ

1.سورة الحج ۷۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 249790
صفحه از 800
پرینت  ارسال به