من بقاء أجزائهم ، واستمرار وجودها غير معدومة . ثم إنه سبحانه يبعثهم ويعيدُهم ليوصّل إلى كلّ إنسان ما يستحقّه من ثواب أو عقاب ، ولا يمكن إيصال هذا المستحقّ إلاّ بالإعادة ، وإنّما لم يذكر أمير المؤمنين عليه السلام هذه التعليلات ؛ لأنّه قد أشار إليها فيما تقدّم من كلامه ، وهي موجودة في فرش خُطَبه ، ولأنّ مقام الموعظة غير مقام التعليل ، وأمير المؤمنين عليه السلام في هذه الخطبة يسلُك مسلك الموعظة في ضمْن تمجيد البارئ سبحانه وتعظيمه ، وليس ذلك بمظنّة التعليل والحِجاج .
233
الأصْلُ:
۰.ومن خطبة له عليه السلام تختص بذكر الملاحمأَلاَ بِأَبِي وَأُمِّي ، هُمْ مِنْ عِدَّةٍ أَسْمَاؤُهُمْ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَفِي الْأَرْضِ مَجْهُولَةٌ . أَلاَ فَتَوَقَّعُوا مَا يَكُونُ مِنْ إِدْبَارِ أُمُورِكُمْ ، وَانْقِطَاعِ وُصَلِكُمْ ، وَاسْتِعْمَالِ صِغَارِكُمْ . ذاكَ حَيْثُ تَكُونُ ضَرْبَةُ السَّيْفِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَهْوَنَ مِنَ الدِّرْهَمِ مِنْ حِلِّهِ ! ذَاكَ حَيْثُ يَكُونُ الْمُعْطَى أَعْظَمَ أَجْراً مِنَ الْمُعْطِي ؛ ذَاكَ حَيْثُ تَسْكَرُونَ مِنْ غَيْرِ شَرَابٍ ، بَلْ مِنَ النِّعْمَةِ والنَّعِيمِ ، وَتَحْلِفُونَ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ ، وَتَكْذِبُونَ مِنْ غَيْرِ إِحْرَاجٍ ، ذَاكَ إِذَا عَضَّكُمُ الْبَلاَءُ كَمَا يَعَضُّ الْقَتَبُ غَارِبَ الْبَعِيرِ . مَا أَطْوَلَ هذَا العَنَاءَ ! وَأَبْعَدَ هذَا الرَّجَاءَ !
أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلْقُوا هذِهِ الْأَزِمَّةَ الَّتِي تَحْمِلُ ظُهُورُهَا الْأَثْقَالَ مِنْ أَيْدِيكُمْ ، وَلاَ تَصَدَّعُوا عَلَى سُلْطَانِكُمْ فَتَذُمُّوا غِبَّ فِعَالِكُمْ ، وَلاَ تَقْتَحِمُوا مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ فَوْرِ نَارِ الْفِتْنَةِ ، وَأَمِيطُوا عَنْ سَنَنِهَا ، وَخَلُّوا قَصْدَ السَّبِيلِ لَهَا ؛ فَقَدْ لَعَمْرِي يَهْلِكُ فِي لَهَبِهَا الْمُؤْمِنُ ، وَيَسْلَمُ فِيهَا غَيْرُ الْمُسْلِمِ . إِنَّمَا مَثَلِي بَيْنَكُمْ كَمَثَلِ السِّرَاجِ فِي الظُّلْمَةِ يَسْتَضِيءُ بِهِ