91
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الْزَمُوا الْأَرْضَ ، وَاصْبِرُوا عَلَى الْبَلاَءِ ، وَلاَ تُحَرِّكُوا بأَيْدِيكُمْ وَسُيُوفِكُمْ فِي هَوَى الْسِنَتِكُمْ ، وَلاَ تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ يُعَجِّلْهُ اللّهُ لَكُمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَاتَ شَهِيداً ، وَوَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ ، واسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ ، وَقَامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إِصْلاَتِهِ لِسَيْفِهِ ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مُدَّةً وَأَجَلاً .

الشّرْحُ:

وظائف حقوقه : الواجبات المؤقّتة ، كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان ، والوظيفة ما يُجعل للإنسان في كلّ يوم ، أو في كل شهر ، أو في كلّ سنة ، من طعام ، أو رزق . وعزيز منصوب ؛ لأنّه حال من الضمير في «أستعينه» ، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير المجرور في «حقوقه» . وقاهَر أعداءه : حاربهم ، وروي «وقهَر أعداءه» . والمعقل : ما يعتَصم به . وذروته : أعلاه . وأمهدوا له : اتخذوا مهادا ، وهو الفراش ، وهذه استعارة .
قوله عليه السلام : «فإنّ الغاية القيامة» ، أي فإنّ منتهى كلّ البشر إليها ، ولابدّ منها . والأرماس : جمع رَمْس وهو القبر . والإبلاس مصدر «أبلس» ، أي خاب ويئس ، والإبلاس أيضا : الانكسار والحزْن . واستكاك الأسماع : صممها . وغمّ الضريح : ضيق القبر وكَرْبه . والصفيح : الحجَر ، وردمُه : سدّه . والسَّنَن : الطريق . والقرَن : الحبلُ . وأشراط الساعة : علاماتها . وأزفت : قربت . وأفراطها : جمع فَرط ، وهم المتقدّمون السابقون من الموتى ، ومن روى «بإفراطها» فهو مصدر أفرط في الشيء ، أي قربت الساعة بشدّة غُلَوَائها وبلوغها غاية الهول والفظاعة ، ويجوز أن تفسّر الرواية الأُولى بمقدماتها وما يظهر قبلها من خوارق العادات المزعجة ، كالدّجال ودابّة الأرض ونحوهما ، ويرجع ذلك إلى اللفظة الأُولى ، وهي أشراطها ، وإنما يختلف اللفظ . والكلاكل : جمع كلكل ، وهو الصدر ، ويقال للأمر الثقيل : «قد أناخ عليهم بكلكله » ، أي هدّهم ورضّهم كما يهدّ البعير البارك من تحته إذا أنحى عليه بصدره .
قوله عليه السلام : «وانصرفت الدنيا بأهلها» ، أي ولّت ، ويروى : «وانصرمت» ، أي انقضت . والحِضْن ، بكسر الحاء : ما دون الإبط إلى الكَشْح . والرّثّ : الخَلق ، والغثّ : الهزيل . ومقام


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
90

فَاعْتَصِمُوا بِتَقْوَى اللّهِ ، فَإِنَّ لَهَا حَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ ، وَمَعْقِلاً مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ . وَبَادِرُوا الْمَوْتَ وَغَمَرَاتِهِ ، وَامْهَدُوا لَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ ، وَأَعِدُّوا لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ ؛ فَإِنَّ الْغَايَةَ الْقِيَامَةُ ؛ وَكَفَى بِذلِكَ وَاعِظاً لِمَنْ عَقَلَ ، وَمُعْتَبَراً لِمَنْ جَهِلَ ! وَقَبْلَ بُلُوغِ الْغَايَةِ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ ضِيقِ الْأَرْمَاسِ ، وَشِدَّةِ الاْءِبْلاَسِ ، وَهَوْلِ الْمُطَّـلَعِ ، وَرَوْعَاتِ الْفَزَعِ ، وَاخْتلاَفِ الْأَضْلاَعِ ، وَاسْتِكَاكِ الْأَسْمَاعِ ، وَظُلْمَةِ اللَّحْدِ ، وَخِيفَةِ الْوَعْدِ ، وغَمِّ الضَّرِيحِ ، وَرَدْمِ الصَّفِيحِ .
فَاللّهَ اللّهَ عِبَادَ اللّهِ ! فَإِنَّ الْدُّنْيَا مَاضِيَةٌ بِكُمْ عَلَى سَنَنٍ ، وَأَنْتُمْ وَالسَّاعَةُ فِي قَرَنٍ ، وَكَأنَّهَا قَدْ جَاءَتْ بِأَشْرَاطِهَا ، وَأَزِفَتْ بِأَفْرَاطِهَا ، وَوَقَفَتْ بِكُمْ عَلَى صِرَاطِهَا . وَكَأَ نَّهَا قَدْ أَشْرَفَتْ بِزَلاَزِلِهَا ، وَأَنَاخَتْ بِكَلاَكِلِهَا ، وَانْصَرَفَتِ الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا ، وَأَخْرَجَتْهُمْ مَنْ حِضْنِهَا ، فَكَانَتْ كَيَوْمٍ مَضَى ، وشَهْرٍ انْقَضَى ، وَصَارَ جَدِيدُهَا رَثّاً ، وَسَمِينُهَا غَثّاً .
فِي مَوْقِفٍ ضَنْكِ الْمَقَامِ ، وَأُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ عِظَامٍ ، وَنَارٍ شَدِيدٍ كَلَبُهَا ، عَالٍ لَجَبُهَا ، سَاطِعٍ لَهَبُهَا ، مُتَغَيِّظٍ زَفِيرُهَا ، مُتَأَجِّجٍ سَعِيرُهَا ، بَعِيدٍ خُمُودُهَا ، ذَاكٍ وُقُودُهَا ، مَخُوفٍ وَعِيدُهَا ، عَمٍ قَرَارُهَا ، مُظْلِمَةٍ أَقْطَارُهَا ، حَامِيَةٍ قُدُورُهَا ، فَظِيعَةٍ أُمُورُهَا . «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَـنَّةِ زُمَراً» . قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ ، وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ ؛ وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ ، وَاطْمَأَ نَّتْ بِهِمُ الدَّارُ ، وَرَضُوا الْمَثْوَى وَالْقَرَارَ ، الَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيَةً ، وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً ، وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً ، تَخَشُّعاً وَاسْتِغفَاراً ؛ وَكَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلاً ؛ تَوَحُشّاً وَانْقِطَاعاً ، فَجَعَلَ اللّهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ مَآباً ، وَالْجَزَاءَ ثَوَاباً ، وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ، فِي مُلْكٍ دَائِمٍ ، وَنَعِيمٍ قَائِمٍ .
فَارْعَوْا عِبَادَ اللّهِ مَا بِرِعَايَتِهِ يَفُوزُ فَائِزُكُمْ ، وَبِإِضَاعَتِهِ يَخْسَرُ مُبْطِلُكُمْ . وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بأَعْمَالِكُمْ ؛ فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ ، وَمَدِينُونَ بِمَا قَدَّمْتُمْ ، وَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكُمُ الْمَخُوفُ ، فَلاَ رَجْعَةً تَنَالُونَ ، وَلاَ عَثْرَةً تُقَالُونَ . اسْتَعْمَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ، وعَفَا عَنَّا وَعَنْكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213174
صفحه از 800
پرینت  ارسال به