95
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

هذه الخطبة ، وهو جمع غريب لم يأت نظيره إلاّ في مواضع معدودة .
قوله عليه السلام : «مبدِع الخلائق بعلْمه» ، ليس يريد أنّ العلم علة في الإبداع ، كما تقول : هوى الحجَر بثقله ، بل المراد : أبدع الخلق وهو عالم ، كما تقول : خرج زيد بسلاحه ، أي خرج متسلِّحا ، فموضع الجار والمجرور على هذا نصب بالحاليّة ، وكذلك القول في : «ومنشئهم بحُكْمِه » والحُكْم هاهنا : الحِكْمة . ومنه قوله عليه السلام : «إنّ من الشعر لحكمة» .
قوله : «بلا اقتداء ، ولا تعليم ولا احتذاء» ، قد تكرّر منه عليه السلام أمثاله مرارا . قوله : « ولا إصابة خطأ» ، تحته معنى لطيف ؛ وذلك لأنّ المتكلّمين يورِدون على أنفسهم سؤالاً في باب كونه عالما بكل معلوم إذا استدلّوا على ذلك فإنه علم بعض الأشياء لا من طريق أصلاً ، لا من إحساس ولا من نظر واستدلال ، فوجب أن يعلم سائرها ؛ لأنّه لا مخصّص . قوله عليه السلام : «ولا حَضرة مَلأ» ، الملأ : الجماعة مِنَ النّاس ، وفيه معنى قوله تعالى : «مَا أشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أنْفُسِهِمْ»۱ .
قوله : «يضربون في غَمْرة» ، أي يسيرون في جَهْل وضلالة ، والضرب : السير السريع . والحَيْن : الهلاك . والرَّين : الذنب عَلَى الذنب حتى يسودّ القلب ، وقيل : الرَّيْن : الطَّبَع والدنس ، يقال . رانَ عَلَى قلبه ذنبُه ، يرِين رَيْنا ، أي دنّسه ووسّخه ، واستغلقت أقفالُ الرَّيْن عَلَى قلوبهم : تعسّر فتحها .
قوله : «فإنّها حقُّ اللّه عليكم ، والموجِبة عَلَى اللّه حقَّكم» ، يريدُ أنّها واجبة عليكم ، فإن فعلتموها وجبَ عَلَى اللّه أن يجازيَكم عنها بالثّواب . قوله : «وأنْ تستعينوا عليها باللّه ، وتستعينوا بها عَلَى اللّه » ، يريد : أُوصيكم بأنْ تستعينوا باللّه عَلَى التقوى بأن تدْعوه وتبتهلوا إليه أن يعينكم عليها ، ويوفّقكم لها وييسّرها ويقوِّي دواعيَكم إلى القيام بها ، وأُوصيكم أن تستعينوا بالتقوى عَلَى لقاء اللّه ومحاكمته وحسابه ، فإنّه تعالى يوم البعث والحساب كالحاكم بين المتخاصمين : «وتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمّةٍ تُدْعَى إلَى كِتَابِهَا»۲ ، فالسعيدُ مَن استعان عَلَى ذلك الحساب وتلك الحكومة والخصومة بالتقوى في دار التكليف ، فإنّها نعم المعونة «وتَزَوّدُوا فَإنّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوى»۳ . والجُنّة : ما يستتر به .

1.سورة الكهف ۵۱ .

2.سورة الجاثية ۲۸ .

3.سورة البقرة ۱۹۷ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
94

الْكَنُودُ ، وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ ، وَالْحَيُودُ الْمَيُودُ ! حَالُهَا انْتِقَالٌ ، وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ ، وَجِدُّهَا هَزْلٌ ، وَعُلْوُهَا سُفْلٌ . دَارُ حَرَبٍ وَسَلَبٍ ، وَنَهْبٍ وَعَطَبٍ . أَهْلُهَا عَلَى سَاقٍ وَسِيَاقٍ ، وَلَحَاقٍ وَفِرَاقٍ ، قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا ، وَأَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا ، وَخَابَتْ مَطَالِبُهَا ؛ فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ ، وَلَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ ، وَأَعْيَتْهُمُ المَحَاوِلُ : فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ ، وَلَحْمٍ مَجْزُورٍ ، وَشِلْوٍ مَذْبُوحٍ ، وَدَمٍ مَسْفُوحٍ ، وَعَاضٍّ عَلَى يَدَيْهِ ، وَصَافِقٍ بِكَفَّيْهِ ، وَمُرْتَفِقٍ بِخَدَّيْهِ ، وَزَارٍ عَلَى رَأْيِهِ ، وَرَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ . وَقَدْ أَدْبَرَتِ الْحِيلَةُ ، وَأَقْبَلَتِ الْغِيلَةُ ، وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ ! هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ ، وَذَهَبَ مَا ذَهَبَ ، وَمَضَتِ الدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا ، «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ»۱ .

الشّرْحُ:

الفاشي : الذائع ، فشا الخبرُ يفشو فشوّا ، أي ذَاعَ ، وأفشاه غيرُه . وتفشّى الشيءُ ، أي اتّسع ، والفواشي : كلُّ منتشر من المال مثل الغنم السائمة والإبل وغيرهما ، فيجوز أن يكون عَنَى بفشوّه حمده إطباق الأُمم قاطبةً على الاعتراف بنعمته ، ويجوز أن يريد بالفاشي سبب حمده ، وهو النّعم التي لا يقدر قدرها ، فحذف المضاف .
قوله : «والغالب جنده» ، فيه معنى قوله تعالى : «فإنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ»۲ . قوله : «والمتعالى جَدّه» ، فيه معنى قوله تعالى : «وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا»۳ ، والجَدّ فيهذا الموضع وفي الآية : العظمة . والتؤام : جمع توأم على فَوْعل ، وهو الولد المقارن أخاه في بطن واحد ، وقد أتأمت المرأة إذا وضعت اثنين كذلك ، فهي متئِم ، فإن كان ذلك عادتها فهي مِتْآم ، وكلّ واحد من الولدين توأم ، وهما توأمان ، وهذا توأم هذا ، وهذه توأمته ، والجمع توائم ، مثل قشعم وقشاعم ، وجاء في جمعه «تُؤام» على فُعال ، وهي اللفظة التي وردت في

1.سورة الدخان ۲۹ .

2.سورة المائدة ۵۶ .

3.سورة الجن ۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213110
صفحه از 800
پرینت  ارسال به