97
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أي اغسلوا ، وثوب رَحِيض ومَرْحوض ، أي مغسول . «وداووا بها الأسقام» ، يعني أسقام الذّنوب .وبادروا بها الحِمام : عجّلوا واسبقوا الموت أن يدرككم وأنتم غير متّقين . واعتَبروا بمن أضاع التقوى فهلك شقيّا ، ولا يعتبرنّ بكم أهلُ التقوى ، أي لا تكونوا أنتم لهم معتبرا بشقاوتكم وسعادتهم . ثم قال : وصونوا التّقوى عن أن تمازجها المعاصي ، وتصوّنوا أنتم بها عن الدناءة وما ينافي العدالة . والنُّزّه : جمع نَزيه ، وهو المتباعد عمّا يوجب الذمّ . والولاّه : جمع وَالهٍ ، وهو المشتاق ذو الوجْد حتى يكاد يذهب عقله .
ثم شرع في ذكر الدّنيا ، فقال : «ولا تشيموا بارقَها» ، الشيْم : النظر إلى البرق انتظارا للمطر . ولا تسمعوا ناطقها : لا تصغوا إليها سامعين ، ولا تجيبوا مناديَها . والأعلاق : جمع عِلْق وهو الشيء النفيس . وبرقٌ خالب وخُلّب : لا مطرَ فيه . وأموالها محروبة ، أي مسلوبة .
قوله عليه السلام : «ألاَ وهي المتصدّية العَنُون» ، شبّهها بالمرأة المومِس تتصدّى للرجال تريد الفجور . وتتصدّى لهم : تتعرّض . والعَنُون : المتعرّضة أيضا ، عنَّ لي كذا ، أي عرض . ثم قال : «والجامحة الحَرُون» ، شبهها بالدّابة ذات الجِماح ، وهي التي لا يُستطاع ركوبها ؛ لأنّها تعثرُ بفارسها وتغلبُه ، وجعلها مع ذلك حَرُونا وهي التي لا تنقاد . «والمائنة الخؤُون» ، مان ، أي كذب ، شبّهها بامرأة كاذبة خائنة . والجَحود الكَنُود ، جحد الشيء أنكره ، وكَنَد النّعمة : كفرها ، جعلها كامرأة تجحد الصنيعة ولا تعترف بها وتكفر النعمة . ويجوز أن يكون الجَحُود من قولك : رجل جَحِد وجَحْد ، أي قليل الخير ، وعام جَحْد ، أي قليل المطر ، وقد جحد النَّبْت ، إذا لم يَطُل . «والعَنُود : الصَّدُود» ، العَنُود : الناقة تعدل عن مرعى الإبل وترعى ناحية ، والصَّدُود : المعرضة ، صدّ عنه ، أي أعرض ؛ شبَّهها في انحرافها وميلها عن القصد بتلك . « والحَيُود المَيُود» ، حادت الناقة عن كذا تَحِيد فهي حَيُود ، إذا مالت عنه . ومادت تميد فهي مَيُود ، أي مالت ، فإن كانت عادتها ذلك سُمّيت الحَيُود المَيُود في كلّ حال .
قال : «حالها انتقال» ، يجوز أن يعني به أنّ شيمتَها وسجيّتها الانتقال والتغيّر ، ويروي : «وحالُها افتعال» ، أي كذوب وزور ، وهي رواية شاذّة . «ووطأتها زلزال» ، الوطأة كالضَّغْطة ، ومنه قوله صلى الله عليه و آله وسلم : «اللهمّ اشدُدْ وطأتَك على مُضَر» ، وأصلها موضع القدم . والزلزال : الشدّة العظيمة ، والجمع زَلاَزِل . «وعُلوها سُفْل» ، يجوز ضمّ أوّلهما وكسره .
قال : «دار حَرْب» ، الأحسن في صناعة البديع أن تكون الرّاء هاهنا ساكنة ليوازي السكون هاء «نهْب» ، ومن فتح الراء ، أراد السلب ، حربْتُه ، أي سلبت ماله . قال : «أهلها على


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
96

قوله : «ومستودَعها حافظ» ، يعني اللّه سبحانه ؛ لأنّه مستودع الأعمال ، ويدلّ عليه قوله تعالى : «إنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عملاً»۱ .
قوله : «لم تبرح عارضةً نفسها» ، كلام فصيح لطيف ، يقول : إنّ التقوى لم تزل عارضةً نفسها عَلَى مَنْ سلف من القرون ، فقبلها القليل منهم ، شبّهها بالمرأة العارضة نفسها نكاحاً على قومٍ ، فرغب فيها مَنْ رغب ، وزَهِد مَنْ زهد ، وعلى الحقيقة ليست هي العارضة نفسَها ، ولكنّ المكلّفين ممكَّنون من فعلها ومرغَّبون فيها ، فصارت كالعارضة . والغابر هاهنا : الباقي ، وهو من الأضداد يستعمل بمعنى الباقي ، وبمعنى الماضي .
قوله عليه السلام : «إذا أعاد اللّه ما أبدى» ، يعني أنشر الموتى . «وأخذ ما أعطى» ، ورث الأرض مالك الملوك ، فلم يبقَ في الوجود مَنْ له تصرُّف في شيء غيره ، كما قال : «لِمنِ المُلْكُ اليَومَ للّهِ الْوَاحِدِ القَهَّارِ»۲ . «وسأل عمّا أسدى» ، أي سأل أرباب الثروة عمّا أسدى إليهم من النّعم فيم صرفوها ؟ وفيم أنفقوها ؟ قوله عليه السلام : «فما أقلّ مَنْ قبلها !» ، يعني ما أقلّ مَنْ قبِل التقوى العارضة نفسها على الناس .
و «إذا» في قوله : «إذا أعاد اللّه » ، ظرف لحاجتهم إليها ؛ لأنّ المعنى يقتضيه ، أي لأنهم يحتاجون إليها وقت إعادة اللّه الخلق . قوله : «فأهطِعوا بأسماعكم» ، أي أسرعوا ، أهطع في عَدْوه أي أسرع . ويروى : «فانقطعوا بأسماعكم إليها» ، أي فانقطعوا إليها مصغِين بأسماعكم . «وألِظُّوا بجدّكم» ، أي ألحّوا ، والإلظاظ : الإلحاح في الأمر . «بجدّكم» ، أي باجتهادكم ، جددتُ في الأمر جدّا بالغت واجتهدت ، ويروى : «وأكظّوا بحدّكم» والمواكظة : المداومة على الأمر .
قوله : «وأشعروا بها قلوبكم» ، يجوز أن يريد : اجعلوها شعارا لقلوبكم ، وهو ما دون الدّثار وألصق بالجسد منه ، ويجوز أن يريد : اجعلوها علامةً يُعرَف بها القلب التقيّ من القلب المذنب ، كالشّعار في الحرب يُعرَف به قوم من قوم ، ويجوز أن يريد : أخرِجوا قلوبَكم بها من أشعار البدن ، أي طهروا القلوب بها ، وصفُّوها من دَنَس الذنوب ، كما يصفّى البدن بالفصاد من غَلبة الدم الفاسد ؛ ويجوز أن يريد : الإشعار بمعنى الإعلام ، من أشعرت زيدا بكذا ، أي عرّفته إياه ، أي اجعلوها عالمة بجلالة موقعها وشرف محلها . «وارحَضُوا بها» ،

1.سورة الكهف ۳۰ .

2.سورة غافر ۱۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 213128
صفحه از 800
پرینت  ارسال به