265
جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)

وأرضِكَ مِن بَدائِعِ خَلقِكَ ، ونَبَّهتَني لِذِكرِكَ وشُكرِكَ وواجِبِ طاعَتِكَ وعِبادَتِكَ ، وفَهَّمتَني ما جاءَت بِهِ رُسُلُكَ ، ويَسَّرتَ لي تَقَبُّلَ مَرضاتِكَ ، ومَنَنتَ عَلَيَّ في جَميعِ ذلِكَ بِعَونِكَ ولُطفِكَ .
ثُمَّ إذ خَلَقتَني مِن حُرِّ ۱ الثَّرى ، لَم تَرضَ لي يا إلهي بِنِعمَةٍ دونَ اُخرى ، ورَزَقتَني مِن أنواعِ المَعاشِ وصُنوفِ الرِّياشِ بِمَنِّكَ العَظيمِ عَلَيَّ ، وإحسانِكَ القَديمِ إلَيَّ ، حَتّى إذا أتمَمتَ عَلَيَّ جَميعَ النِّعَمِ ، وصَرَفتَ عَنّي كُلَّ النِّقَمِ ، لَم يَمنَعكَ جَهلي وجُرأَتي عَلَيكَ أن دَلَلتَني عَلى ما يُقَرِّبُني إلَيكَ ، ووَفَّقتَني لِما يُزلِفُني لَدَيكَ ، فَإِن دَعَوتُكَ أجَبتَني ، وإن سَأَلتُكَ أعطَيتَني ، وإن أطَعتُكَ شَكَرتَني ، وإن شَكَرتُكَ زِدتَني ، كُلُّ ذلِكَ إكمالاً لِأَنعُمِكَ عَلَيَّ ، وإحسانِكَ إلَيَّ .
فَسُبحانَكَ سُبحانَكَ ! مِن مُبدِئٍ مُعيدٍ حَميدٍ مَجيدٍ ، وتَقَدَّسَت أسماؤُكَ ، وعَظُمَت آلاؤُكَ ، فَأَيُّ أنعُمِكَ يا إلهي اُحصي عَدَدا أو ذِكرا ، أم أيُّ عَطاياكَ أقومُ بِها شُكرا ، وهِيَ يا رَبِّ أكثَرُ مِن أن يُحصِيَهَا العادّونَ ، أو يَبلُغَ عِلما بِهَا الحافِظونَ ! ثُمَّ ما صَرَفتَ ودَرَأتَ ۲ عَنِّي اللّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرّاءِ أكثَرُ مِمّا ظَهَرَ لي مِنَ العافِيَةِ وَالسَّرّاءِ .
وأنَا أشهَدُ يا إلهي بِحَقيقَةِ إيماني ، وعَقدِ عَزَماتِ يَقيني ، وخالِصِ صَريحِ تَوحيدي ، وباطِنِ مَكنونِ ضَميري ، وعَلائِقِ مَجاري نورِ بَصَري ، وأساريرِ صَفحَةِ جَبيني ، وخُرقِ مَسارِبِ نَفَسي ، وخَذاريفِ ۳ مارِنِ ۴ عِرنيني ۵ ، ومَسارِبِ

1.الحُرّ من الطين والرَّمل : الطيّب . وحرّ كلّ أرضٍ : وسطها وأطيبها (تاج العروس : ج ۶ ص ۲۶۱ «حرر») .

2.الدَّرأُ : الدَّفع (الصحاح : ج ۱ ص ۴۸ «درأ») .

3.الخُذروف : عُوَيد ، أو قصَبَة مشقوقة ، يفرضُ في وسطه . . . (تاج العروس : ج ۱۲ ص ۱۵۷ «خذرف») . وقد استعاره عليه السلام لمجاري الأنف هنا .

4.المارِن : ما لان من الأنفِ وفَضَل عن القصَبَة (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۰۲ «مرن») .

5.العِرنِينُ : الأنف (النهاية : ج ۳ ص ۲۲۳ «عرن») .


جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
264

ابتَدَأتَني بِنِعمَتِكَ قَبلَ أن أكونَ شَيئا مَذكورا ، وخَلَقتَني مِنَ التُّرابِ ثُمَّ أسكَنتَنِي الأَصلابَ ، أمنا لِرَيبِ المَنونِ ۱ وَاختِلافِ الدُّهورِ ، فَلَم أزَل ظاعِنا ۲ مِن صُلبٍ إلى رَحِمٍ في تَقادُمِ الأَيّامِ الماضِيَةِ ، وَالقُرونِ الخالِيَةِ ، لَم تُخرِجني ـ لِرَأفَتِكَ بي ، ولُطفِكَ لي وإحسانِكَ إلَيَّ ـ في دَولَةِ أيّامِ الكَفَرَةِ ، الَّذينَ نَقَضوا عَهدَكَ وكَذَّبوا رُسُلَكَ ، لكِنَّكَ أخرَجتَني رَأفَةً مِنكَ وتَحَنُّنا عَلَيَّ لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ الهُدَى ، الَّذي فيهِ يَسَّرتَني ، وفيهِ أنشَأتَني ، ومِن قَبلِ ذلِكَ رَؤُفتَ بي بِجَميلِ صُنعِكَ وسَوابِغِ نِعمَتِكَ ؛ فَابتَدَعتَ خَلقي مِن مَنِيٍّ يُمنى ، ثُمَّ أسكَنتَني في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ، بَينَ لَحمٍ وجِلدٍ ودَمٍ ، لَم تُشَهِّرني بِخَلقي ۳ ، ولَم تَجعَل إلَيَّ شَيئا مِن أمري .
ثُمَّ أخرَجتَني إلَى الدُّنيا تامّا سَوِيّا ، وحَفِظتَني فِي المَهدِ طِفلاً صَبِيّا ، ورَزَقتَني مِنَ الغِذاءِ لَبَنا مَرِيّا ، وعَطَفتَ عَلَيَّ قُلوبَ الحَواضِنِ ، وكَفَّلتَنِي الاُمَّهاتِ الرَّحائِمَ ، وكَلَأتَني ۴ مِن طَوارِقِ الجانِّ ، وسَلَّمتَني مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقصانِ ، فَتَعالَيتَ يا رَحيمُ يا رَحمانُ .
حَتّى إذَا استَهلَلتُ ناطِقا بِالكَلامِ ، أتمَمتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الإِنعامِ ، فَرَبَّيتَني زائِدا في كُلِّ عامٍ ، حَتّى إذا كَمُلَت فِطرَتي ، وَاعتَدَلَت سَريرَتي ، أوجَبتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَن ألهَمتَني مَعرِفَتَكَ ، ورَوَّعتَني بِعَجائِبِ فِطرَتِكَ ، وأنطَقتَني لِما ذَرَأتَ في سَمائِكَ

1.المنون : الدَّهرُ . والموتُ (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۲۷۲ «منّ») .

2.ظَعَنَ : سارَ (الصحاح : ج ۴ ص ۲۱۵۹ «ظعن») .

3.قال العلاّمة المجلسي : لم تشهّرني بخلقي ؛ أي لم تجعل تلك الحالات الخسيسة ظاهرة للخلق في ابتداء خلقي لأصير محقّرا مهينا عندهم ، بل سترت تلك الأحوال عنهم ، وأخرجتني بعد اعتدال صورتي وخروجي عن تلك الأُصول الدّنية (بحار الأنوار : ج ۶۰ ص ۳۷۳) . هذا وفي البلد الأمين : «لَم تُشهِدني خلقي» .

4.كَلأهُ : حرسه (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۲۶ «كلأ») .

  • نام منبع :
    جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
    سایر پدیدآورندگان :
    الطباطبایی، روح الله؛ الطباطبایی، محمود
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 188834
صفحه از 598
پرینت  ارسال به