29
جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)

آلِ الأَنبِياءِ أكرَمُ مِن آلي ؟
قالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ : يا موسى ، أما عَلِمتَ أنَّ فَضلَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلى جَميعِ آلِ النَّبِيّينَ كَفَضلِ مُحَمَّدٍ عَلى جَميعِ المُرسَلينَ ؟
فَقالَ موسى : يا رَبِّ ، فَإِن كانَ آلُ مُحَمَّدٍ كَذلِكَ فَهَل في اُمَمِ الأَنبِياءِ أفضَلُ عِندَكَ مِن اُمَّتي ؛ ظَلَّلتَ عَلَيهِمُ الغَمامَ ، وأنزَلتَ عَلَيهِمُ المَنَّ وَالسَّلوى ، وفَلَقتَ لَهُمُ البَحرَ ؟
فَقالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ : يا موسى ، أما عَلِمتَ أنَّ فَضلَ اُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلى جَميعِ الاُمَمِ كَفَضلِهِ عَلى جَميعِ خَلقي ؟
فَقالَ موسى عليه السلام : يا رَبِّ ، لَيتَني كُنتُ أراهُم !
فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ : يا موسى ، إنَّكَ لَن تَراهُم ولَيسَ هذا أوانَ ظُهورِهِم ، ولكِن سَوفَ تَراهُم فِي الجَنّاتِ ؛ جَنّاتِ عَدنٍ وَالفِردَوسِ ، بِحَضرَةِ مُحَمَّدٍ في نَعيمِها يَتَقَلَّبونَ ، وفي خَيراتِها يَتَبَحبَحونَ ۱ ، أفَتُحِبُّ أن اُسمِعَكَ كَلامَهُم ؟
فَقالَ : نَعَم إلهي !
قالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ : قُم بَينَ يَدَيَّ ، وَاشدُد مِئزَرَكَ قِيامَ العَبدِ الذَّليلِ بَينَ يَدَيِ المَلِكِ الجَليلِ .
فَفَعَلَ ذلِكَ موسى عليه السلام ، فَنادى رَبُّنا عز و جل : يا اُمَّةَ مُحَمَّدٍ ! فَأَجابوهُ كُلُّهُم وهُم في أصلابِ آبائِهِم وأرحامِ اُمَّهاتِهِم : لَبَّيكَ اللّهُمَّ لَبَّيكَ ، لَبَّيكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيكَ ، إنَّ الحَمدَ وَالنِّعمَةَ وَالمُلكَ لَكَ ، لا شَريكَ لَكَ .
قالَ : فَجَعَلَ اللّهُ عز و جل تِلكَ الإِجابَةَ شِعارَ الحاجِّ .
ثُمَّ نادى رَبُّنا عز و جل : يا اُمَّةَ مُحَمَّدٍ ! إنَّ قَضائي عَلَيكُم أنَّ رَحمَتي سَبَقَت غَضَبي ،

1.تَبَحبَحَ : تَمكَّنَ في الحُلولِ والمَقامِ (لسان العرب : ج ۲ ص ۴۰۷ «بحح») .


جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
28

جَميعِها بِالتَّفصيلِ ، لِأَنَّها أكثَرُ مِن أن تُحصى أو تُعرَفَ ، فَقالَ لَهُم : قولوا :
«الْحَمْدُ لِلَّهِ» عَلى ما أنعَمَ بِهِ عَلَينا «رَبِّ الْعَــلَمِينَ» ، وهُمُ الجَماعاتُ مِن كُلِّ مَخلوقٍ؛ مِنَ الجَماداتِ وَالحَيَواناتِ .
فَأَمَّا الحَيَواناتُ فَهُوَ يُقَلِّبُها في قُدرَتِهِ ، ويَغذوها مِن رِزقِهِ ، ويَحوطُها بِكَنَفِهِ ، ويُدَبِّرُ كُلاًّ مِنها بِمَصلَحَتِهِ . وأمَّا الجَماداتُ فَهُوَ يُمسِكُها بِقُدرَتِهِ ، ويُمسِكُ المُتَّصِلَ مِنها أن يَتَهافَتَ ۱ ، ويُمسِكُ المُتَهافِتَ مِنها أن يَتَلاصَقَ ، ويُمسِكُ السَّماءَ أن تَقَعَ عَلَى الأَرضِ إلاّ بِإِذنِهِ ، ويُمسِكُ الأَرضَ أن تَنخَسِفَ إلاّ بِأَمرِهِ ، إنَّهُ بِعِبادِهِ لَرَؤوفٌ رَحيمٌ .
وقالَ عليه السلام : «رَبِّ الْعَــلَمِينَ» مالِكُهُم وخالِقُهُم وسائِقُ أرزاقِهِم إلَيهِم ، مِن حَيثُ يَعلَمونَ ومِن حَيثُ لا يَعلَمونَ ، وَالرِّزقُ مَقسومٌ ، وهُوَ يَأتِي ابنَ آدَمَ عَلى أيِّ سيرَةٍ سارَها مِنَ الدُّنيا ، لَيسَ تَقوى مُتَّقٍ بِزائِدِهِ ، ولا فُجورُ فاجِرٍ بِناقِصِهِ ، وبَينَهُ وبَينَهُ سِترٌ وهُوَ طالِبُهُ ، فَلَو أنَّ أحَدَكُم يَفِرُّ مِن رِزقِهِ لَطَلَبَهُ رِزقُهُ كَما يَطلُبُهُ المَوتُ .
فَقالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ : قولوا : «الْحَمْدُ لِلَّهِ» عَلى ما أنعَمَ بِهِ عَلَينا وذَكَرَنا بِهِ مِن خَيرٍ في كُتُبِ الأَوَّلينَ قَبلَ أن نَكونَ ، فَفي هذا إيجابٌ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وعَلى شيعَتِهِم أن يَشكُروهُ بِما فَضَّلَهُم ، وذلِكَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ :
لَمّا بَعَثَ اللّهُ عز و جل موسَى بنَ عِمرانَ عليه السلام وَاصطَفاهُ نَجِيّا ، وفَلَقَ لَهُ البَحرَ ونَجّى بَني إسرائيلَ ، وأعطاهُ التَّوراةَ وَالأَلواحَ ، رَأى مَكانَهُ مِن رَبِّهِ عز و جلفَقالَ : يا رَبِّ لَقَد أكرَمتَني بِكَرامَةٍ لَم تُكرِم بِها أحَدا قَبلي !
فَقالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ : يا موسى ، أما عَلِمتَ أنَّ مُحَمَّدا عِندي أفضَلُ مِن جَميعِ مَلائِكَتي وجَميعِ خَلقي ؟
قالَ موسى عليه السلام : يا رَبِّ ، فَإِن كانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله أكرَمَ عِندَكَ مِن جَميعِ خَلقِكَ ، فَهَل في

1.التَّهافُت : التساقُط قطعةً قطعة (الصحاح : ج ۱ ص ۲۷۱ «هفت») .

  • نام منبع :
    جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع)
    سایر پدیدآورندگان :
    الطباطبایی، روح الله؛ الطباطبایی، محمود
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 186147
صفحه از 598
پرینت  ارسال به