الكلمة الرابعة ، قوله عليه السلام : ما هَلَكَ امرؤٌ عرفَ قَدرَه
«هلك» فعل ماضٍ ، و «امرؤ» فاعله ، و الجملة الواقعة بعده صفة له ؛ بناءً على ما هو المقرّر عند النحاة ، من أنّ الجملة الواقعة بعد النكرة صفة ، و بعد المعرفة حال ؛ و «القَدْر» بفتح القاف و سكون الدال : مقدار عزّة المرء الحاصل له بحسب اتّصافه بصفات الكمال ، كما يقال : لايعلم زيد قدرَ عمرو ، أي : لايعلم مقدار حسن كماله و صفاته .
و بفتحهما : مقدار الشيء و كمّيته ، فالأوّل يستعمل في المقادير المعقولة التقديريّة ، و الثاني في المقادير المحسوسة الحقيقيّة ، و قد يجيء الأوّل بمعنى التقدير ، كقوله جلّ جلاله : «إِنَّـآ أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ »۱.۲
و له معان اُخر لايناسب المقام إلاّ ما ذكرناه .
و هو منصوب ؛ ليكون مفعول الفعل المذكور قبله ، و مراده ـ عليه الصلاة و السلام ـ من أداء هذا الكلام البليغ الفصيح : أنّ كلّ من كان عارفا بقدره ـ أي : محلّه و منزلته و شأنه و مرتبته ـ لايوقعُ نفسه في المذلّة الّتي هي بمنزلة الهلاكة للنفوس بارتكاب الاُمور الغير اللائقة به .
و يدلّ مفهوم الصفة على أنّ من كان له كمال و ملكة من الملكات الحسنة النفسانيّة و لم يعمل بمقتضاه ، فكان كمن ألقى نفسه إلى التهلكة المنهيّ عنها بقوله عزّ من قائل : «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ »۳.
و من لم يعرف قدره ، كلّ يوم يحصل له مذلّة جديدة بحسب عدم مبالاته لعلمه و كماله ،
1.يعنى در شبى كه تقدير مى كنيم در آن احكام و آجال و ارزاق را ، چنانچه مفسّرين گفته اند .منه
2.القدر ، الآية ۱ .
3.البقرة ، الآية ۱۹۵ .