كاشف النكات في شرح الكلمات - صفحه 284

و من يعرف قدره يرعاه ، و من يرعاه كمن ربّاه ، يحصل له كلّ يوم مزيد علم و كمال .
فإن قلت : كيف يمكن أن يقال : إنّ ذا القدر لم يعرف قدره؟
قلتُ : من لم يعمل بما يعرف يُنَزَّل منزلة غير العارف ، كما يقال لمن أذى أباه : «إن كان أباك فلاتؤذه» ، مع علمه بكونه أبا له .
أو المعنى : أنّ كلّ من عرف مرتبته أعمّ من أن يكون وضيعا أو شريفا ، و يراعي تلك المرتبة المتعلّقة به ، بأن يعظّم من فوقه و يرحم من دونه ، و لايظلمهما بترك طاعة الأعالي و إلقاء الكلفة على الأداني ، لم يجعل نفسه مَطعنا لألسن الناس ، و لم يهتك ستر عرضه بمقاريض أشفاه الهُمَزَة اللُّمَزَة ؛ حفظنا اللّه من شرّهم . و لايخلو هذا المعنى من بُعد .
و النكرة الواقعة في سياق النفي لمّا كانت مفيدة للعموم ، كان الحكم المذكور ثابتا لجميع الأفراد ، و باعتبار رجوع النفي إلى القيد يفهم أنّ من لم يكن له قدر أو كان و لم يراع قدره ، كان من الهالكين باعتبار ما ذكرنا .
و الحاصل : أنّ معرفة القدر أن يراعي الحدّ الأوسط بين الإفراط و التفريط ، فلايحسب نفسه شيئا حتّى يتكبّر و تحصل له نخوة و تفرعن و يقول : أنا اُراعي قدري ، و يسمّيه ـ باعتقاده الفاسد ـ مراعاة القدر ، و لايفتخر بصلاحه و سداده حتّى كان كمن زكّى نفسه تزكية نُهي عنها بقوله تعالى : «فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى »۱.
فإيّاك و العُجب ؛ فإنّه من المهلكات ! فوقع فيما فرّ منه . و الحدّ الأوسط ما يستفاد من كلام سيّد الساجدين : لاتكن كالعسل فيأكلوك و لا كالحنظل فيلقوك ۲ ؛ و لايخفى ما في هذا الكلام من النصائح البليغة و المواعظ الجميلة ؛ جعلنا اللّه من العارفين بالقَدْر و القَدَر ، لا من السامعين للّفظ و الأثر .

1.النجم ، الآية ۳۲ .

2.بحارالأنوار ، ج۱۳ ، ص۴۲۷ ، ح۲۳ .

صفحه از 356
کلیدواژه