لم يقدر على معرفة نفسه مع كونها معه ، فكيف يمكنه معرفة ربّه مع كمال البعد بينهما ، و هذا الوجه ناظر إلى المعرفة بالحقيقة و الكنه .
و اعلم أنّ الإنسان مكلّف بأن يعرف اللّه تعالى بصفاته الّتي وجد نظيرها في نفسه من العلم و القدرة ، مع سلب النقائص الناشئة من نسبتها إليه ، فصار المعنى هكذا : مثال معرفة اللّه تعالى في صفاته مثال معرفة النفس بصفاتها ، فكلّف من معرفة اللّه بهذا القدر الداخل تحت طاقته و قدرته .
فائدة : نذكر فيها المعرفة المضافة إلى اللّه و أقسامها ، و لنقتصر على ما ذكره الشيخ الجليل بهاء الملّة و الدين في كتاب الأربعين ؛ فإنّ فيه كفاية إن شاء اللّه تعالى .
قال رحمه الله في شرح حديث العارفين :
تبصرة : المراد بمعرفة اللّه تعالى الاطّلاع على نعوته و صفاته الجلاليّة و الجماليّة بقدر الطاقة البشريّة ، و أمّا الاطّلاع على حقيقة الذات المقدّسة فممّا لامطمع فيه للملائكة المقرّبين و الأنبياء المرسلين ، فضلاً عن غيرهم . و كفى في ذلك قول سيّد البشر : «ما عرفناك حقّ معرفتك» ، و في الحديث : «إنّ اللّه تعالى احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار ، و إنّ الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم» . فلا تلتفت إلى من يزعم أنّه قد وصل إلى كنه الحقيقة المقدّسة ، بل احث التراب في فيه ، فقد ضلّ و غوى و كذب و افترى ؛ فإنّ الأمر أرفع و أطهر من أن يتلوّث بخواطر البشر ، و كلّ ما تصوّره العالم الراسخ فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ ، و أقصى ما وصل إليه الفكر العميق فهو غاية مبلغه من التدقيق ، و ما أحسن ما قال :
آنچه پيش تو غير از آن ره نيستغايت فهم توست ، اللّه نيست
و اعلم أنّ تلك المعرفة الّتى تمكن أن تصل إليها أفهام البشر ، لها مراتب متخالفة و دُرج متفاوتة ، قال المحقّق الطوسي ـ طاب ثراه ـ في بعض مصنّفاته :
إنّ مراتبها مثل مراتب معرفة النار مثلاً ، فإنّ أدناها من سمع أنّ في الوجود شيئا يعدم كلّ شيء يلاقيه ، و يظهر أثره في كلّ شيء يحاذيه ، و أيّ شيء اُخذ منه لم ينقص منه شيء ؛ و يسمّى ذلك الموجود نارا . و نظير هذه المرتبة في معرفة اللّه تعالى معرفة المقلّدين ، الّذين صدّقوا بالدين من غير وقوف على الحجّة .