و بالجملة ، من لايكون من عادته التكلّم بالفحش و هتك العرض و الأقاويل الخشنة و الكلمات المتنافرة الغير المشروعة ، كثر و شاع أحبّاؤه و مخلصوه . فيكون فيه أيضا ـ كالحديث السابق ـ مجاز مرسل .
و يمكن أن تكون «عذوبة اللسان» كناية عن محاسن الأخلاق ، و يكون الظاهر عنوان الباطن ، و الآيات و الأحاديث الواردة لهذه الصفة الجميلة و الملكة العظيمة أكثر من أن تعدّ و تحصى ، و لنقتصر على ما أرشد اللّه تعالى رسوله صلى الله عليه و آله وسلم في سلوك هذا الطريق بقوله : «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ »۱.
و قال عليه السلام : «جُبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها ، و إساءة من أساء إليها» ۲ ؛ و من طابت سريرته حمد الناس سيرته . و لا شكّ أنّ لين الكلام أبلغ في إنجاح المطالب و إمحاض النصح و قبول الخصم ؛ لما دلّ عليه قوله تعالى : «فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى »۳.
فعلم أنّ الكلام الخشن لايؤثّر في إسكات الخصم ، بل يزيد إعراضه عن الحقّ ، فليست الأساطير السالفة و الأكاذيب المنقولة و القصص الفاسدة ـ كما هو المتعارف في زماننا هذا ـ داخلة في عذوبة اللسان و إن تلقّاه العامّة بالقبول ، كما نسمعهم يقولون لبعض النقلة للهو الحديث و الهفوات و الأباطيل : هو رجل حسن الصحبة ، عالم بالسير الماضية من الأنساب و الألقاب .
و الحاصل : من لايتأذّى الناس من لسانه بكفّ شرّه عنهم و نشر خيره لهم ، هو رجل عذب اللسان صافي الجنان .
و لفظ هذا الحديث الشريف خبر ، و معناه إنشاء ، أي : عليك بملازمة هذه الصفة ؛ فإنّها رأس الصفات و أعلاها ، و ثمرتها التحبّب في القلوب و كثرة الإخوة و الأحبّة .
1.آل عمران ، الآية ۱۵۹ .
2.بحارالأنوار ، ج۷۷ ، ص۱۴۲ ، ح۱ .
3.طه ، الآية ۴۴ .