كاشف النكات في شرح الكلمات - صفحه 313

الكلمة الثامنة و الثلاثون ، قوله عليه السلام : مَن طَلَب ما لايَعنِيه فاتَه ما يَعنِيه

«عنى» أي : قصد ، و معناه هنا النفع ؛ و «الفوت» خروج الشيء عن حيّز الانتفاع به .
و معنى هذا الكلام البليغ : أنّ من اشتغل بطلب ما لاينفعه فاته ما ينفعه ، ففيه تنبيه على أنّه ينبغي للعاقل أن يضبط أوقاته و يصرف ليله و نهاره بالاشتغال بما ينفعه في النشأة الآخرة ، فينتفع بالدنيا و يُعرِض عن اللغو و اللهو و عمّا لاينفعه ؛ لأنّه صرف فيه أنفس الأشياء الّذي هو نقدُ عمره الّذي لا عوض له ، و به يمكن اكتساب الجنان و النجاة من النيران ، فمن كان هكذا فطوبى له فطوبى له ، و كفى لمدحه قوله تعالى في سورة «قد أفلح» : «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ »۱ .
جعل تعالى الإعراض عنه تكملة لإقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و حفظ الفروج ، و بعد هذه الآية وَعَد المعرض المذكور ـ مع اتّصافه بما تقدّم من الصفات ـ الخلود في الفردوس ، فقال : «أُوْلَـلـءِكَ هُمُ الْوَ رِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَــلِدُونَ »۲ .
قيل : فيه دلالة على أنّ المتّصف بإقامة الصلاة و غير ذلك من الفروع يستحقّ الخلود في تلك الجنّة ، إذا أعرض عن اللغو و عمّا لايعينه ؛ و قال الإمام عليه السلام : «اللغو ما لا يعينك» ، أي : لا ينفعك .
هذا ، و يحتمل أن يُحمل على معناه الأصلي ، أي : من طلب شيئا ليس بمقصوده فاته ما هو مقصوده ، و فيه شيء ، كماترى . اللّهمّ إلاّ أن يُتكلّف بأن يقال : من طلب شيئا لايليق أن يقصد ، فاته ما ينبغي تعلّق القصد به ؛ فافهم .

1.المؤمنون ، الآية ۳ .

2.المؤمنون ، الآية ۱۱ .

صفحه از 356
کلیدواژه