رسالة في تحقيق حال كتاب فقه الرضا (ع) - صفحه 480

المخالفين في اُصول عقائدهم ، فضلاً عن فروع مذهبهم وأحكامهم ، لاسيّما أهل بلدة قم ؛ فإنّها كانت في عصره عليه السلام مملوّة من علماء الشيعة ، وكانوا يعلنون كلمة الحقّ غاية الإعلان ولا يتّقون في دينهم من أحد من أولياء الشيطان ، وهذا هو الّذي بعثني على ما قوّى في نفسي ، ولم يسبقني إليه أحد قبلي ، من أنّ المسائل المتكثّرة الّتي صدرت عنه عليه السلام في أرض خراسان والعراق ممّا لا ينبغي حملها على التقيّة ، وهي من أبعد احتمالاتها ، بخلاف ما صدر عن سائر الأئمّة عليهم السلامفي عصر دولة الاُمويّة وجملة من أعصار العبّاسية ، كالأخبار الصادرة عن الحسنين والسجّاد وسيّدنا أبي جعفر وموسى بن جعفر عليهم السلام ؛ فإنّ الأصل في احتمالات تلك الأخبار احتمال التقيّة ، وهي مِن أظهر وجوهها .
وكيف كان فاحتمال التقيّة في أمر مثل هذا الكتاب من أبعد الوجوه ، ولو كان من تأليفه عليه السلاملكان عليه السلام يظهره أيّام ظهور أمره ، وكان يأمر الطائفة بالرجوع إليه ، وباعتبار ذلك كان يشتهر غاية الاشتهار بين العلماء .
إن قلت : لعلّه كان معروفاً في عصره عليه السلام ، وإنّما خفي بعده باعتبار اشتداد التقيّة في أعصار مولانا الجواد عليه السلام والعسكريّين عليهماالسلام ولاسيّما في عصر خلافة المتوكّل . لعنه اللّه . .
قلتُ : إنّ عروض التقيّة بعد الاشتهار بين علماء الطائفة ورواة الأخبار المعاصرين له عليه السلام لا يقتضي عدم وصوله إلى المتأخّرين عنهم من أصحابنا الّذين أخذوا منهم ورووا عنهم ؛ وذلك لأنّ التقيّة مانعة عن إظهار الأمر لدى المخالفين ، ولا يخفى أنّه لا يستلزم عدم اشتهاره بين أهل المذهب أيضاً ، ألاترى أنّ أكثر الاُمور الّتي تختصّ بأهل مذهبنا لم يخفَ على أصحابنا وشاع بينهم بحيث بلغ حدّ ضرورة المذهب ، وكذا الأخبار المشتملة على طعن الخلفاء وتزييف مذاهبهم الرديّة وإظهار بدعهم المحدثة ؟ ومنه يظهر أنّ التقيّه لايمنع من شيوع الحقّ لدى أهله فيأوّل الأمرأيضاً .

صفحه از 514