الفقهاء ، كان أبصر بمذهبه من غيره ، فلا يبعد أن يكون ذلك ممّا سمعه من أفواه مشايخه الّذين أدركوا عصر الشيخ وكانوا من أصحابه ، أو لعلّه ممّا وجده مصرّحاً به في شيء من كلماته الّتي لم نقف عليها ، فلا وجه لردّه وتقديم قول غيره من الأصحاب على قوله .
لأنّا نقول : إنّ كلامه في خطبة السرائر أقوى شاهد على أنّ هذا ممّا لم يبلغه من المشايخ ، وشيء لم يصل إليه على وجه النقل والسماع ۱ ، فإنّه قد استند في ذاك الادّعاء إلى ما فهمه من خطبة المبسوط ، وبالغ في استفادته من كلامه هناك .
ومن الواضح أنّه لو كان مطّلعاً على كلام آخر له صريح في ذلك أو أوضح دلالة من كلامه في المبسوط ، أو كان هذا من مسموعاته ، لكان يستند إليه ، وما كان يقتصر على ما هو أخفى دلالة ، فمستنده منحصر فيما توهّمه من كلامه المذكور ، وهو إلى الدلالة على خلافه أقرب ؛ لأنّه قال :
وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوّق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك ، وتتوق نفسي إليه ، فيقطعني عن ذلك القواطع ، ويشغلني الشواغل ، ويضعف نيّتي أيضاً فيه قلّة رغبة هذه الطائفة فيه وترك عنايتهم به ؛ لأنّهم ألّفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ ، حتّى أنّ مسألة لو غُيّر لفظها وعبّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم تعجّبوا منها وقصر فهمهم عنها ، وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية ، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم واُصولها من المسائل وفرّقوه في كتبهم ، ورتّبته ترتيب الفقه ، وجمعت بين النظائر ، ورتّبت فيه الكتب على ما رتّبت ؛ للعلّة الّتي بيّنتها هناك ، ولم أتعرّض للتفريع على المسائل ، ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها ، والجمع بين نظائرها ، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة ؛ حتّى لا يستوحشوا من ذلك ، وعملت بآخره جمل العقود في العبادات . سلكت فيه طريق الإيجاز والاختصار . وعقودَ الأبواب فيما يتعلّق بالعبادات ، ووعدت فيه أن أعمل كتاباً في الفروع خاصّة ينضاف إلى كتاب النهاية ويجتمع معه ، يكون كاملاً كافياً في جميع ما يحتاج إليه .