235
المحبّة في الكتاب و السنّة

والجواب هو : كلاهما ؛ إذ كلّما ازدادت معرفة الإنسان باللّه ، يزداد بنفس ذلك المقدار معرفةً بجماله وكماله ، ويصبح أكثر انجذابا إليه ، ومعنى هذا : أنّ المعرفة البرهانيّة يمكن أن تكون سببا أيضا لمحبّة اللّه ، ولهذا السبب حينما سُئِل : «كيف اُحَبِّبُك إلى خَلقِكَ ؟» قال :
«أُذكُر أَيادِىَّ عِنْدَهُم ، فَإِنَّكَ إذا ذَكَرتَ لَهُم ذلِكَ أَحَبّوني» .۱
ولكن لا شكّ في أنّ المعرفة التامّة الكاملة ـ والتي يُعبَّر عنها بالعشق ـ لا تُنال إلاّ عن طريق المعرفة الشهوديّة ، وهو ما عبّر عنه بعض أهل المعرفة بقوله : «وخلاصة القول هي أنّ الإنسان لا يصير عاشقا للّه ما لم يعرفه معرفة شهوديّة . وإذا أصبح عارفا عن هذا الطريق فحينئذٍ يرى كلّ المحاسن في اللّه «ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ»۲ ، وفي مثل هذه الحالة من المستحيل أن يلتفت الإنسان إلى غير اللّه » .

أعلى درجات المحبّة

وعلى هذا الأساس فإنَّ الذين يعرفون اللّه معرفة شهوديّة ، قد وصلوا إلى أعلى درجات المحبّة والعشق . وهم على طائفتين : الملائكة ، وأولو العلم ، كما قال اللّه سبحانه وتعالى :
« شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ » 3 .
وقد وصف الإمام عليّ عليه السلام شدّة حبّ الطائفة الاُولى ـ أي الملائكة ـ للّه ، بقوله :
« . . . قَدِ استَفرَغتَهُم أشغالُ عِبادَتِهِ و وَصَلَت حَقائِقُ الإِيمانِ بَينَهُم و بَينَ مَعرِفَتِهِ وقَطَعَهُم الإِيقانُ بِهِ إلَى الوَلَهِ إِلَيهِ، و لَم تُجاوِز رَغَباتُهُم ما عِندَهُ

1.اُنظر : ص ۲۱۲ ح ۹۴۱ .

2.النمل : ۵۹ .

3.آل عمران : ۱۸ .


المحبّة في الكتاب و السنّة
234

لإدراك سرّ خلقه وبلوغ كماله الإنساني ، ولهذا يُخاطَب أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ الذين بلغوا ذرى مراتب الإنسانيّة والإمامة ـ في الزيارة الجامعة بصفة «التّامّينَ في مَحَبَّةِ اللّهِ» .
وقد اُفرد الفصل الأوّل من القسم الثاني لذكر الآيات والأحاديث التي تتضمّن دعاء أهل الإيمان بأساليب مختلفة من البيان لنيل كيمياء محبّة اللّه .

الطريق إلى محبّة اللّه

القضيّة الأساسيّة هنا هي كيفيّة نيل محبّة اللّه ، وقد مرّ ذكر توجيهات أهل البيت في هذا المضمار في الفصل الثاني ، وهي تتلخص في ما يأتي :
إنّ أهمّ مبادئ محبّة اللّه من بعد فضله ورحمته هي معرفته . فهو تعالى قد غرس بفضله ورحمته حبّ كلّ ما هو حسن وجميل في فطرة الإنسان . وبما أنّه جامع لكلّ معاني الكمال والجمال ، فمن غير الممكن أن يعرفه الإنسان ولا يحبّه . ومن هذا المنطلق يؤكّد الإمام المجتبى عليه السلام أنّ :
«مَن عَرَفَ اللّهَ أحَبَّه» .۱

أنواع معرفة اللّه

هنالك طريقان أمام الإنسان لمعرفة اللّه :
الأوّل : طريق البرهان ، وهو ما يستند عليه الإيمان .
والثاني : طريق الشهود ، والذي يُسمّى باليقين . ولهذا فإنّنا عندما نقول إنّ معرفة اللّه مبدأ لمحبّته ، يتبادر إلى أذهاننا تساؤل عن نوع تلك المعرفة ، أَ هي المعرفة البرهانيّة ، أم الشهوديّة ، أم كلاهما ؟

1.اُنظر : ص ۲۲۲ ح ۹۶۵ .

  • نام منبع :
    المحبّة في الكتاب و السنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    التقدیری، محمد
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    سوّم
تعداد بازدید : 62514
صفحه از 456
پرینت  ارسال به