ثُمَّ قالَ ـ عَلَيهِ وعَلى آلِهِ السَّلامُ ـ لي : يا نَوفُ ادعُ بِهذَا الدُّعاءِ :
«إلهي ، إن حَمِدتُكَ فَبِمَواهِبِكَ ، وإن مَجَّدتُكَ فَبِمُرادِكَ ، وإن قَدَّستُكَ فَبِقُوَّتِكَ ، وإن هَلَّلتُكَ فَبِقُدرَتِكَ ، وإن نَظَرتُ فَإِلى رَحمَتِكَ ، وإن عَضَضتُ فَعَلى نِعمَتِكَ .
إلهي ، إنَّهُ مَن لَم يَشغَلهُ الوَلوعُ بِذِكرِكَ ولَم يَزوِهِ السَّفَرُ بِقُربِكَ كانَت حَياتُهُ عَلَيهِ ميتَةً ، وميتَتُهُ عَلَيهِ حَسرَةً .
إلهي تَناهَت أبصارُ النّاظِرينَ إلَيكَ بِسَرائِرِ القُلوبِ ، وطالَعَت أصغَى السّامِعينَ لَكَ نَجِيّاتِ الصُّدورِ ، فَلَم يَلقَ أبصارَهُم رَدٌّ دونَ ما يُريدونَ ، هَتَكتَ بَينَكَ وبَينَهُم حُجُبَ الغَفلَةِ ، فَسَكَنوا في نورِكَ ، وتَنَفَّسوا بِرَوحِكَ ، فَصارَت قُلوبُهُم مغارِسا لِهَيبَتِكَ ، وأبصارُهُم ماكِفا لِقُدرَتِكَ ، وقَرُبَت أرواحُهُم مِن قُدسِكَ ، فَجالَسُوا اسمَكَ بِوَقارِ المُجالَسةِ ، وخُضوعِ المُخاطَبَةِ ، فَأَقبَلتَ إلَيهِم إقبالَ الشَّفيقِ ، وأنصَتَّ لَهمُ إنصاتَ الرَّفيقِ ، وأجَبتَهُم إجاباتِ الأَحِبّاءِ ، وناجَيتَهُم مُناجاةَ الأَخِلاّءِ ، فَبَلِّغ بِيَ المَحَلَّ الَّذي إلَيهِ وَصَلوا ، وَانقُلني مِن ذِكري إلى ذِكرِكَ ، ولا تَترُك بَيني وَبَينَ مَلَكوتِ عِزِّكَ بابا إلاّ فَتَحتَهُ ، ولا حِجابا مِن حُجُبِ الغَفلَةِ إلاّ هَتَكتَهُ ، حَتّى تُقيمَ روحي بَينَ ضِياءِ عَرشِكَ ، وتَجعَلَ لَها مَقاما نُصبَ نورِكَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ .
إلهي ما أوحَشَ طَريقا لا يَكونُ رَفيقي فيهِ أمَلي فيكَ ! وأبعَدَ سَفَرا لا يَكونُ رَجائي مِنهُ دَليلي مِنكَ ! خابَ مَنِ اعتَصَمَ بِحَبلِ غَيرِكَ ، وضَعُفَ رُكنُ مَنِ استَنَدَ إلى غَيرِ رُكنِكَ . فَيا مُعَلِّمَ مُؤَمِّليهِ الأَمَلَ فَيُذهِبُ عَنهُم كَآبَةَ الوَجَلِ لا تَحرِمني صالِحَ العَمَلِ ، وَاكلَأني كِلاءَةَ مَن فارَقَتهُ الحِيَلُ ، فَكَيفَ يَلحَقُ مُؤَمِّليكَ ذُلُّ الفَقرِ وأنتَ الغَنِيُّ عَن مَضارِّ المُذنِبينَ ؟!