237
المحبّة في الكتاب و السنّة

الصالحة فهي ممّا يزيد من قوّة هذه المعرفة .
ثانيا : إنّ حُجُب معرفة اللّه وموانع محبّته هما أمر واحد ؛ لأنّ المعرفة الشهوديّة للّه تقترن ـ كما علمنا ـ بمحّبته ، ولهذا فإنّ الذين أزاحوا حجب المعرفة الشهوديّة بالتقوى إنّما قطعوا بكيمياء محبّته أسباب محبّة غيره . وهؤلاء وصفهم الإمام الباقر عليه السلام بقوله :
« . . . قَطَعوا مَحَبَّتَهُم بِمَحَبَّةِ رَبِّهِم . . . ونَظَروا إلَى اللّهِ عز و جل و إلَى مَحَبَّتِهِ بِقُلوبِهِم» .۱
ثالثا : إنّ بعض العناوين التي وردت في «مبادئ محبّة اللّه » ۲ أو «مبادئ التحبّب إلى اللّه » كالتقوى والتوبة ، هي أسباب لتجلية القلب ، ويُعتبر أكثرها من أسباب تحليته . أمّا الأسباب الكامنة وراء الفصل بين «مبادئ المحبّة» و «مبادئ التحبّب» فهي أنّ المجموعة الاُولى تمثّل عناصر محبّة العبد لربّه ، في حين تعكس المجموعة الثانية عناصر محبّة اللّه لعبده . ولكن لا مانع من استخدام مبادئ أيّ منهما لتحقيق الأغراض المتوخّاة من مبادئ المجموعة الثانية ، فقد ورد في نصّ القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أنّ التوبة سبب لمحبّة اللّه لعبده ، ولكنّها من الممكن أيضا ـ في ضوء التوضيحات السالفة ـ أن تكون من أسباب محبّة العبد لربّه ، وقد ورد ذكر امور اخرى، كمعرفة اللّه والتقوى والدعاء، باعتبارها من جملة اسباب محبّة العبد لربّه، في حين آنهاتعتبر ـ من غير شك ـ من موجبات محبّة اللّه للعبد أيضا .
وورد بشأن بعض المبادئ كمبدأ «ذكر اللّه » ۳ تصريحات تؤكّد أنّ ذكر اللّه سب لمحبّة اللّه للعبد ، وهي في الوقت ذاته سبب لمحبّة العبد للّه .

1.راجع : ص ۲۲۵ ح ۹۷۷ .

2.راجع ص ۲۱۷ و ۲۴۷ .

3.اُنظر : ص ۲۲۳ .


المحبّة في الكتاب و السنّة
236

إلى ما عِندَ غَيرِهِ،قَد ذاقوا حَلاوَةَ مَعرِفَتِهِ، وشَرِبوا بِالكَأسِ الرَّوِيَّةِ مِن مَحَبَّتِهِ» . 1
ووصف الإمام الصادق عليه السلام لذّة الطائفة الثانية من معرفة اللّه بقوله :
«لَو يَعلَمُ النّاسُ ما في فَضلِ مَعرِفَةِ اللّهِ عز و جل ما مَدّوا أعيُنَهُم إلى ما مَتَّعَ اللّهُ بِهِ الأَعداءَ مِن زَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا و نَعيمِها ، و كانَت دُنياهُم أقَلَّ عِندَهُم مِمّا يَطَؤونَهُ بِأَرجُلِهِم ولَنَعِموا بِمَعرِفَةِ اللّهِ ـ جَلَّ وعَزَّ ـ وتَلَذَّذوا بِها تَلَذُّذَ مَن لَم يَزَل في رَوضاتِ الجِنّانِ مَعَ أولِياءِ اللّهِ . . .» . 2

السبيل إلى بلوغ المعرفة الشهوديّة

يتلخّص السبيل إلى بلوغ المعرفة الشهوديّة بالتخلية والتجلية ، فالتخلية تعني تنظيف مرآة القلب من صدأ الرذائل وكدورتها ، فقد ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي الذي رواه عن الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال مخاطبا اللّه عز و جل :
«وأنَّ الرَّاحِلَ إلَيكَ قَرِيبُ المَسافَةِ وأَنَّكَ لاَ تَحجُب عَن خَلقِكَ إلاّ أن تَحجُبَهُمُ الأَعمالُ دُونَكَ» .۳
يصرّح الإمام السجّاد عليه السلام في هذا الكلام أنّ جمال اللّه غير محجوب ، وإنّما يأتي الحجاب من قبل الرذائل ، ولو أنّ حجاب صدأ المعاصي اُزيل عن مرآة القلب لوصل الإنسان آنذاك إلى المعرفة الشهوديّة .
نستنتج في ضوء ما تقدّم أعلاه :
أوّلاً : لا تعتبر تجلية القلب طريقا ثانيا للمعرفة الشهوديّة ، بل تكفي تخلية القلب وتطهيره من غبار المعاصي لبلوغ المعرفة الشهوديّة ، أمّا تحليته بالأعمال

1.اُنظر : ص ۲۱۸ ح ۹۵۹ .

2.اُنظر : ص ۲۲۲ ح ۹۶۷ .

3.مصباح المتهجّد : ۵۸۳ / ۶۹۱ .

  • نام منبع :
    المحبّة في الكتاب و السنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    التقدیری، محمد
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    سوّم
تعداد بازدید : 65506
صفحه از 456
پرینت  ارسال به