239
المحبّة في الكتاب و السنّة

ولا يبدو هنا فارق ما بين اللذائذ المحلّلة والمحرّمة ؛ لأنّ اللذائذ المحلّلة أيضا إذا اتّخذت كهدف فهي تؤدّي بالمرء إلى الانغماس في الظلمات ، وتحول بينه وبين الحبّ الحقيقي للنور المطلق . وفي هذا المعنى قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأبي ذرّ :
«لِيَكُن لَكَ فِي كُلِّ شَيءٍ نِيَّةٌ صالِحَةٌ حَتَّى الأَكلَ وَالنَّومَ» .۱
ومن الطبيعيّ أنّ اللذائذ المحرّمة تغمس صاحبها في ظلمات أكثر ، وتحجبه بحجب وحواجز أكبر .
إنّ الاجتناب عن مطلق حبّ الدنيا هو أسمى مراتب التقوى ، وإذا ناله الإنسان نال كيمياء المحبّة ، وبلغ أرفع درجات النعيم المعنوي ، وعن هذا الصنف من المتّقين قال الإمام محمّد الباقر عليه السلام :
«قَطَعوا مَحَبَّتَهُم بِمَحَبَّةِ رَبِّهِم ... ونَظَروا إلَى اللّهِ ...» .۲

علاج حبّ الدنيا

لحبّ الدنيا جذور منبثقة من أمراض القلب ، والقلب السليم خالٍ من حبّ الدنيا . قال الإمام الصادق عليه السلام في بيانه لمعنى الآية الكريمة « إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ »۳ : «هُوَ القَلبُ الَّذِي سَلمَ مِن حُبِّ الدُّنيا» .۴
وهنا يأتي سؤال آخر عن جذور أمراض القلب التي توقع الإنسان في حبّ الدنيا .

1.مكارم الأخلاق : ۲ / ۳۷۰ / ۲۶۶۱ .

2.اُنظر : ص ۲۲۵ «التّقوى» .

3.الشعراء : ۸۹.

4.تفسير مجمع البيان : ۷ / ۳۰۵ .


المحبّة في الكتاب و السنّة
238

أخطر آفات محبّة اللّه

إنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة ، وجذر كل حجاب ، وبذر كلّ مانع من موانع محبّة اللّه ؛ لذا أوردناه في الباب الأوّل من أبواب موانع محبّة اللّه ، وأطلقنا عليه تسمية «أخطر الموانع» ۱ ؛ إذ تفيد النصوص الواردة في هذا الباب أنّ محبّة اللّه لا تجتمع على الإطلاق مع حبّ الدنيا ، ولا يتيسّر للإنسان معرفة اللّه وحبّه طالما كانت هناك ذرّة واحدة من غبار حبّ الدنيا جاثية على مرآة قلبه .
وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال مفاده : ما حبّ الدنيا ؟ ولماذا يتعذّر اجتماعه مع حبّ اللّه ؟
إنّ الدنيا في الرؤية الإسلاميّة عبارة عن اتّخاذ الإمكانات واللذائذ المادّيّة والدنيويّة هدفا ، أمّا إذا كان التمتّع باللذائذ المادّيّة والدنيويّة مقدّمة للسموّ المعنوي والاُخروي ، ومدعاة للقرب الإلهي ، فهذا لا يعتبر في الرؤية الإسلامية ميلاً نحو الدنيا ، ولا يشكّل عائقا يحول دون محبّة اللّه ، بل على العكس هو بمثابة مقدّمة تمهّد الأجواء لحبّ اللّه .
ولكن إذا اتّخذت اللذائذ المادّيّة كهدف ، ففي ذلك خطورة جمّة تهدّد القيم المعنويّة وركائز المحبّة : «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ»۲ . كيف يتسنّى لقلب امتلأ بحبّ الدنيا وغمرته الظلمات ، أن يكون للرحمن عرشا ويتجلّى فيه نور السموات والأرض ! وانطلاقا من هذه الرؤية قال إمام العارفين :
«كَما أنَّ الشَّمسَ وَاللَّيلَ لا يَجتَمِعانِ كَذلِكَ حُبُّ اللّهِ وحُبُّ الدُّنيا لا يَجتَمِعانِ» .۳

1.اُنظر : ص ۲۸۹ .

2.الأحزاب : ۴ .

3.اُنظر : ص ۲۹۱ ح ۱۱۸۶ .

  • نام منبع :
    المحبّة في الكتاب و السنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    التقدیری، محمد
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    سوّم
تعداد بازدید : 65494
صفحه از 456
پرینت  ارسال به