395
المحبّة في الكتاب و السنّة

السبب الذي جعل النصوص الدينيّة تؤكّد أنّ المحبّة القائمة على اُسس الدين وفي سبيل اللّه هي المحبّة الوحيدة التي يُكتب لها البقاء ، أمّا المحبّة المبنيّة على الأنانيّة والدوافع المصلحيّة فهي تتحوّل عاجلاً أو آجلاً إلى بغضاء : « الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ »۱ .
وفي ضوء ما مرّ ، يتّضح أنّ حكمة الترغيب في المحبّة في اللّه هي أنّها قوام المجتمع الإنساني المنشود وأنّه لا سبيل لتحقّقه إلاّ بها .

فلسفة البغض في اللّه

قد يتبادر هنا إلى الأذهان سؤال مهمّ ، مفاده أنّ الإسلام إذا كان يرنو إلى تشييد صرح مجتمع قائم على المحبّة ، فلماذا يحرّض أتباعه على البغض في اللّه ويحثّهم عليه كحثّه إيّاهم على المحبّة في اللّه ، معتبرا إياه أفضل الأعمال وأوثق عرى الإيمان ؟ ! وفضلاً عن ذلك ؛ ما الضرورة لبغض الآخرين بدلاً من محبّتهم ؟ ثمّ هل يحلّ البغض شيئا من المعضلات الاجتماعيّة ؟ وهل بإمكانه أن يضع حلاًّ لواحدة منها ؟ وبعبارة اُخرى : ما حكمة البغض في اللّه ؟

معنى البغض في اللّه

ولغرض معرفة الحكمة الكامنة وراء مبدأ البغض في اللّه ، يجب ابتداءً معرفة معنى هذا التعبير ، ولو تمّ بيانه على النحو الصحيح ، لا تبقى بعدئذٍ ثمّة ضرورة لبيان الحكمة منه .
إنّ البغض في اللّه معناه أنّ المُبْغِض ليس لديه عداء شخصيّ مع المبغوض ، وليس هناك مصلحة شخصيّة في عدائه له ، وإنّما يبغضه ويعاديه للّه وليس لذاته ،

1.الزخرف : ۶۷ .


المحبّة في الكتاب و السنّة
394

محلّ العداوة ، ولذاقت الإنسانيّة حلاوة المحبّة و طعمها .

مبدأ المحبّة

إنّ العلاج الأمثل لداء الانانيّة هو محبّة اللّه ۱ ، وما دام الإنسان بعيدا عن سبيل اللّه ، لا يتسنّى له الانعتاق من ربق ذاته ، وطالما بقي مقيّدا في أغلال ذاته ، لا يمكنه أن يحبّ غيره حبّا حقيقيّا ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : «يابن آدم ! كلٌّ يريدك لأجله ، وأنا اُريدك لأجلك» ۲ . فكلّ من يدّعي محبتك أيّها الإنسان إنّما يريدك في الحقيقة لسدّ حاجاته وضمان مصلحته الذاتية ، وإنّ اللّه الغنيّ وحده هو الذي يريد الإنسان من أجل الإنسان نفسه ، وليس من أجل شيء آخر .
واستنادا إلى ما سلف قوله تتحدّد محبّة الإنسان للآخرين بمدى خلوّه من محبّة ذاته ، وامتلائه بمحبّة اللّه ، وهكذا ينكشف لنا السرّ الكامن وراء تأكيد الإسلام مبدأ الحبّ في اللّه ، ويتّضح أنّ الذين يحبّون الناس حبّا حقيقيّا ويحرصون على مصالح أبناء الشعب هم الذين يحبّونهم للّه وفي اللّه ، ولم يكن فشل الماركسيّة في شعار حماية مصالح أبناء الشعب إلاّ لأنّ الحرص على مصلحة أبناء الشعب لا يتحقّق بدون التوجّه إلى الخالق ، فالذي لا يحبّ الشعب للّه ، ولا يحرص على مصلحته في سبيل اللّه ، لا يمكن أن يتنكّر لذاته ولا يأخذ مصالحه الشخصيّة بنظر الاعتبار . والمحبّة القائمة على أساس المصلحة الشخصيّة هي في الواقع ليست محبّة للآخر ، بل هي نوع من الأنانيّة ولكن بثوب محبّة الآخرين ، ولهذا السبب يبقى وجودها واستمرارها رهنا بالمصلحة ؛ فحيثما شعر أنّ المحبوب غير قادر على تلبية إرادة المحِبّ ومصلحتهِ ، زالت تلك المحبّة ، وكثيرا ما تتحوّل المحبّة إلى عداء . وهذا هو

1.اُنظر : ص ۲۳۸ «سرّ بناء الذّات» .

2.اُنظر : ص ۲۰۹ ح ۹۳۳ .

  • نام منبع :
    المحبّة في الكتاب و السنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    التقدیری، محمد
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    سوّم
تعداد بازدید : 67660
صفحه از 456
پرینت  ارسال به