365
الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)

وجه اللزوم أنّ إخباره تعالى بها يوجب يأس الكفّار وإغراء الأخيار ، وكلاهما قبيح يمتنع أن يرتكبه اللّه تعالى ؛ لأنّ اليأس والإغراء مبعّدٌ لهما عن الطاعات ، مقرّب لهما إلى المعاصي ، فيكون فيه مفسدة .
لأنّا نقول : إنّا لا نسلّم أنّ الأخبار المذكورة مفسدة ، وإنّما يكون كذلك لو عيّن فيه أشخاص المؤمنين والكافرين ، وليس كذلك كما بُيّن في موضعه ، ويقبح منه تعالى التعذيب مع منعه اللطف ، يرشدك إليه قوله تعالى : « وَلَوْ أَنَّـآ أَهْلَكْنَـهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً »۱ الآية ، فإنّه تعالى أخبر عنه بأنّه لو لم يبعث إليهم الرسول ، لكان لهم هذا القول ، وليس لهم هذا إلاّ مع قبح إهلاكهم بدون البعثة ، فعلم أن ترك اللطف ومنعه يوجب قبح عذابهم .
فإن قلت : إنّ تكليف ۲ الكافر إنّما يكون حسناً لو لم يكن مفسدة وليس كذلك ؛ لأنّه مشقّة في الدنيا وعذاب في الآخرة .
قلت : إنّ هذه المفسدة إنّما هي من جهة ترك الإتيان بالمأمور به ، وفائدة تكليفه التعريض للثواب وهو حاصل له ، وتركه بسوء اختياره اللطف على قسمين :
منه : ما يقع الواجب عنده ، ويقال له : التوفيق واللطف المحصّل ولولاه لم يقع .
ومنه : ما لم يقع عنده ما هو لطف فيه لكنّه يكون أقرب وهو اللطف المقرّب .
فإذا تقرّر هذا ، فنقول : إنّ ما استدلّ ذلك الرجل من عدم وجوب اللطف إليه تعالى تمسّكاً بالآية ، فهو عليل حيث إنّ ليس المراد من الفتنة الامتحان والاختبار .
وفي النهاية الأثيريّة : ومنه الحديث : « المؤمن خُلق مفتنا أي ممتحناً يمتحنه اللّه بالذنب ، ثمّ يتوب ، ثمّ يعود ، ثمّ يتوب يقال : فتنته أفتنه فتناً وفتوناً : إذا امتحنه . وفي حديث الكسوف : «وإنّكم تفتنون في القبور» يريد مسألة منكر ونكير . من الفتنة و الامتحان والاختبار ۳ .

1.طه (۲۰) : ۱۳۴ .

2.في المخطوطة : «التكليف» .

3.النهاية : ، ج ۳ ، ص ۴۱۰ (كلف) .


الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
364

وليس كذلك حيث بيّن في موضعه أنّ الغرض من التكليف الذي هو التعريض لا يخلف عنه ، فعلم أنّ كلّ ما له تعلّق بالتكليف ، وجب عليه تعالى أن يفعله وإن لم يكن للعبد استقلال فيه .
وهذا الأمر إن كان من فعله تعالى كبعثة الرسل ، وجب في حكمته تعالى أن يفعله ، وإن كان من فعل المكلّف ، وجب على اللّه تعالى أيضاً أن يشعر به وبوجوبه عليه كمتابعة الرسل والاقتداء بهم . والظاهر أنّ هذا النوع من اللطف تابع لما هو لطف فيه ، فإن كان واجباً ، فهو واجب ، وإن كان نفلاً ، فهو نفل ، وإن كان من فعل غيرهما كتبليغ الرسل ، لم يجز أن يكلّف اللّه تعالى عباده بهذا الفعل الموقوف على ذلك إلاّ بعد أن يُعلم ذلك الغيرَ بفعله .
فإن قلت : لو استدعى التكليف أن يجب عليه تعالى أن يفعل ما هو لطف ، لزم أن لا يوجِد كافرا وأن يكون الواجب تعالى تاركاً لما يجب عليه ، والكلّ باطل ، فكذا ما هو ملزوم لأحدهما .
أمّا الملازمة فلأنّه تعالى إن كان يوجد ما هو لطف بالقياس إلى ما كلّف به الكافر ، وجب أن لا يكون الكافر كافراً ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن علّته ، وإن لم يوجد كان تاركاً لما يجب عليه تعالى .
وأمّا بطلان الشقّ الأوّل من الترديد ، فلوجود الكفّار .
وأمّا بطلان الشقّ الثاني منه ، فلاستلزامه أن يكون الواجب تعالى مستحقَّ أمرٍ يجب على تارك أفعال ۱ الحسن ومرتكب القبيح ، وهو منتفٍ قطعاً .
قلت : هذا إنّما يوجب ذلك لو كان وجود اللطف ملزوماً لوجوب الفعل عن فاعله وليس كذلك ؛ إذ لا نعني به إلاّ ما يقرّب العبد إلى فعل الطاعة ويبعّده عن المعصية .
لا يقال : إنّ فعل اللطف إن كان واجباً عليه تعالى ، لما أخبر بسعادة بعض العباد وشقاوة البعض ، لكنّ التالي باطل بالكتاب والسنّة والإجماع ، فكذا مقدّمُه .

1.كذا.

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    الموسوی، محمدتقی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 26873
صفحه از 476
پرینت  ارسال به