81
الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)

الأمطار ، وتبتلّ المركّبات فتفسد ، ولو انقطع ، لعظم ضرره أيضاً ؛ لإفضائه إلى القحط المفضي هلاك المواشي والإنسان ، فكان تقديره بالمقدار المعلوم للمصلحة ، فهو مسخَّر والمسخِّر هو اللّه سبحانه بتوسيط محرِّك يأتي به في وقت الحاجة ، ويردّه عند زوالها .
وثالثها : أنّ السحاب لا يقف في موضع معيّن بل يسوقه تعالى بتحريك الرياح حيث ما يشاء ، فهذا هو التسخير ۱ .
وقد لاح من هذه الوجوه أنّه مسخَّر ، ويدلّ على وجود ما يسخِّره لهذه المصالح والحِكَم التي بعضها ظاهر وبعضها غير ظاهر يعرفه المتدبّرون .
ثمّ إنّ السحاب الكثيف المظلم ترى اجتماعه في جوّ صافٍ لخلقه تعالى إيّاه إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء ، وهو مع رخاوته حامل للماء الثقيل ، ويمسكه أن يقع في الأرض إلاّ بإذن بارئه تعالى في إرساله وتقطيع قطراته وإيصال كلّ قطرة بقضائه وتقديره وصنعه على شكله الذي شاء ؛ فترى السحاب يرشّ الماء على الأرض ، ويرسله قطراتٍ متفاضلةً ما يحصيها إلاّ اللّه ، ثمّ كلّ قطرة منها متعيّنة لجزء من الأرض ، ولحيوان فيها من طير ووحش ودود مكتوب عليها بمداد صنعٍ إلهيّ وَجُودٍ أزلي لا يناله الحسّ والإدراك : إنّه رزق لدودٍ فلاني في موضع كذا في وقت كذا مع انعقاد البَرَدِ الصلب من الماء اللطيف وتناثر الثلوج كالقطن المندوف من عجاب لا يحصيها العادّون .
كلّ ذلك بعناية اللّه تعالى ورحمته وفيضه وجوده . فهذه هي وجوه الدلائل والآيات المتعلّقة بهذه المخلوقات الثمانية على وجه الاختصار ؛ لأنّ في كلّ ما ذكر من وجوه ۲ اُخرى من العلوم والمعارف في كلّ منها دقائق وحِكَم ومصالح ۳ يستمدّ من بحار

1.راجع : تفسير الرازي ، ج۴ ، ص۲۲۸ ؛ بحار الأنوار ، ج۵۹ ، ص۳۵۰ .

2.كذا .

3.كذا.


الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
80

فمنها : أنّ الهواء مادّة للنفس الضروريّ ، الذي لو انقطع لحظة عن الحيوان لمات .
ثمّ لا يخفى أنّ كلّما كانت الحاجة إليه أشدَ كان إدراكه ونيله أسهلَ ، وأنّ احتياج الناس إلى الهواء أشدّ الحاجات وأعظمها ، بحيث إنّه لو انقطع عنه لحظةً لمات ، لا جرم كان وجدانه أسهلَ من وجدان كلّ شيء .
وبعد الهواء الماء ؛ لأنّ الحاجة إليه وإن كانت شديدة ؛ إذ ۱ به حياة كلّ شيء إلاّ أنّها ليست كالحاجة إلى الهواء ، فلا جرم وجود الهواء أسهل من وجود الماء ؛ لأنّ نيله وجذبه لابدّ من تكلّف الاغتراف بخلاف ما عليه أمر جذب الهواء ؛ لأنّ أسباب جذبه حاضرة أبداً .
ومنها : أنّ الهواء مادّة لخلقة النبات وغيرها التي يُحتاج إليها في الاغتذاء والرواء .
ومنها : أنّ الهواء لو لم يكن في فُرَج الأجسام الغذائيّة ومسامها وغيرها لتعفّن وفسد ، وفسادها يؤدّي إلى فساد الإنسان والحيوان .

قال عليه السلام :«والسحاب المسخّر بين [ السماء و ] الأرض»۲. [ ص۱۳ ح۱۲ ]
أقول : سُمّي السحاب سحاباً لانسحابه في الهواء . ومعنى التسخير في اللغة : التذليل ۳ وتسميته مسخّراً بوجوه :
أحدها : أنّ طبع الماء ثقيل لبرودته يقتضي النزول ، فكان بقاؤه في الجوّ العالي على خلاف ما يقتضيه طبعه ، فلابدّ له من قاهر يقهره من فوقه ، وذلك إمّا قاسر أو مسخّر ، والفرق بينهما أنّ المؤثّر في شيء على مقتضى طبعه إن كان أمرا خارجاً عن ذاته مبايناً له في الوضع، فهو قاسر ، وإن كان أمراً مقوِّماً له فهو مسخّر .
ومن البيّن في موضعه أنّ حركة مثل هذه الأجسام على هذا الوجه لا تكون بالقسر ، فتكون بالتسخير ، فيدلّ على وجود فاعل علويّ لأغراض كلّيّة .
وثانيها : أنّه لو دام السحاب ، لعظم ضرره حيث يحجب عن ضوء الشمس ، ويكثر

1.في المخطوطة : «إذا».

2.البقرة (۲) : ۱۶۴ .

3.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۸۰ (سخر) .

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    الموسوی، محمدتقی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 38119
صفحه از 476
پرینت  ارسال به