فمنها : أنّ الهواء مادّة للنفس الضروريّ ، الذي لو انقطع لحظة عن الحيوان لمات .
ثمّ لا يخفى أنّ كلّما كانت الحاجة إليه أشدَ كان إدراكه ونيله أسهلَ ، وأنّ احتياج الناس إلى الهواء أشدّ الحاجات وأعظمها ، بحيث إنّه لو انقطع عنه لحظةً لمات ، لا جرم كان وجدانه أسهلَ من وجدان كلّ شيء .
وبعد الهواء الماء ؛ لأنّ الحاجة إليه وإن كانت شديدة ؛ إذ ۱ به حياة كلّ شيء إلاّ أنّها ليست كالحاجة إلى الهواء ، فلا جرم وجود الهواء أسهل من وجود الماء ؛ لأنّ نيله وجذبه لابدّ من تكلّف الاغتراف بخلاف ما عليه أمر جذب الهواء ؛ لأنّ أسباب جذبه حاضرة أبداً .
ومنها : أنّ الهواء مادّة لخلقة النبات وغيرها التي يُحتاج إليها في الاغتذاء والرواء .
ومنها : أنّ الهواء لو لم يكن في فُرَج الأجسام الغذائيّة ومسامها وغيرها لتعفّن وفسد ، وفسادها يؤدّي إلى فساد الإنسان والحيوان .
قال عليه السلام :«والسحاب المسخّر بين [ السماء و ] الأرض»۲. [ ص۱۳ ح۱۲ ]
أقول : سُمّي السحاب سحاباً لانسحابه في الهواء . ومعنى التسخير في اللغة : التذليل ۳ وتسميته مسخّراً بوجوه :
أحدها : أنّ طبع الماء ثقيل لبرودته يقتضي النزول ، فكان بقاؤه في الجوّ العالي على خلاف ما يقتضيه طبعه ، فلابدّ له من قاهر يقهره من فوقه ، وذلك إمّا قاسر أو مسخّر ، والفرق بينهما أنّ المؤثّر في شيء على مقتضى طبعه إن كان أمرا خارجاً عن ذاته مبايناً له في الوضع، فهو قاسر ، وإن كان أمراً مقوِّماً له فهو مسخّر .
ومن البيّن في موضعه أنّ حركة مثل هذه الأجسام على هذا الوجه لا تكون بالقسر ، فتكون بالتسخير ، فيدلّ على وجود فاعل علويّ لأغراض كلّيّة .
وثانيها : أنّه لو دام السحاب ، لعظم ضرره حيث يحجب عن ضوء الشمس ، ويكثر