83
الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)

وأمّا ارتفاع الشمس وانحطاطها ، فقد جعلهما اللّه تعالى سببين لإقامة الفصول الأربعة .
وأمّا القمر فهو تلو الشمس وخليفتها ، وبه يعلم عدد السنين والحساب ، وتضبط المواقيت الشرعيّة ، ومنه يحصل النماء والرداء ، وقد جعل اللّه في طلوعه وغروبه مصلحةً وكذا في تشكّلاته وسائر أحواله من الاستقامة والإقامة والرجوع .
وكذلك الأمر في أمر خلق النجوم وعجائب أشكالها وصورها ومقاديرها إلى أنّ وجودها بقدرته تعالى ، وأنّ حركاتِها الوضعيّةَ والمكانيّة الدوريّة بتسخير اللّه وأمره ووحيه عبوديّةً وطاعةً له ، ثمّ يترتّب عليها منافعُ عظيمة في المخلوقات الأرضيّة .
ومن هاهنا قيل : إذا تأمّلت هذا العالم ، وجدته كالبيت المعدّ فيه كلُّ ما يُحتاج ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ، والنجوم منضودة كالمصابيح ، والإنسان كمالك للبيت المتصرّف فيه ، وضروب النبات مهيّأة لمنافعه ، وصنوف الحيوان متصرّفة في منافعه ۱ .
ثمّ إنّ التفكّر والتدبّر في السماوات وما فيها من الكواكب على وجهين :
[أحدهما] ما يتعلّق بظاهر أجرامها وأعظامها وأشكالها وأوضاعها وهيآتها وحركاتها وما يترتّب عليها من المنافع الجليّة ، وهذا العلم ممّا اعتنى بإدراكه علماء لهَيْأة والهندسة، والطبيعيّون كلّ منها من جهة اُخرى .
وثانيهما : ما يتعلّق بملكوتها ونفوسها المحرّكة والملائكة المدبّرة إيّاها تدبيراً إلهيّاً كما بيّن ذلك في الحكمة الإلهيّة .

قال :« هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ »۲. [ ص۱۳ ح۱۲ ]
أقول : لا يخفى أنّ المراد من هذه الآية النظر في كيفيّة خلقة الإنسان ، [و] هو من جملة الاُمور المندرجة في الأشياء الثمانية المذكورة في الآية المتقدّمة ، فإنّ من

1.التوحيد للمفضل ، ص۱۱ ؛ تفسير الرازي ، ج۲ ، ص۱۰۹ ؛ بحار الأنوار ، ج۳ ، ص۶۱ .

2.غافر (۴۰) : ۶۷ .


الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
82

الحكمة الإلهيّة .
وأمّا قوله: « لَأَيَـتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »۱ فالمراد أنّ في كلّ من المذكورات آياتٍ كثيرةً ، والدليل عليه من وجوه :
أحدها : أنّ كلّ واحدة من هذه الاُمور الثمانيّة يدلّ على وجود الصانع من وجوه من حيث وجودها على وجود صانعها ، ومن حيث حدوثها في وقت دون وقت على إرادته وعلمه بالجزئيّات ، ومن حيث منافعها على إتقان حكمته وصنعه ، ومن ارتباط بعضها ببعض على وجه الانتظام والتعاون على وحدانيّته .

قال عليه السلام : يا هشام ! قد جعل . [ ص۱۳ ح۱۲ ]
أقول : شروع في تفصيل ما علم على الإجمال . وأمّا تسخير الليل والنهار بعد ما علمت من اختلافهما على الصانع ۲ ، وأمّا هاهنا فباعتبار التسخير ؛ لكونهما أجزاءً للزمان المتّصل الواحد ، والزمان مقدار حركة دورة غير مستقيمة ، فالحافظ للزمان لابدّ أن يكون جسماً إبداعيّاً كريماً ، وهو الجرم الفلك الأقصى ، فدلّ وجودهما على السماء ، وعلى خالق الأشياء تعالى .
ثمّ إنّ كون الشمس والقمر مسخّرات تفصيلُ قوله هناك : «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَـوَ تِ»۳ ، فإنّ الكواكب من جملتها .
ثمّ إنّه لو لم يكن للشمس طلوع ، لانجمدت المياه ، وغلبت البرودة والكثافة ، وهو يقتضي إلى خمود الحرارة الغريزيّة ، ولو لم يكن لها اُفول وغروب لحميت الأرض حتّى تحرق كلَّ من عليها من إنسان وحيوان ، فهي بمنزلة سراج واحد يوضع لأهل كلّ بيت بمقدار حاجتهم ، ثمّ يرفع عنهم ليستقرّوا ويستريحوا ، فصار النور والظلمة على تضادّهما متظاهرين على ما فيه صلاح قُطّان الأرض .

1.البقرة (۲) : ۱۶۴ .

2.في العبارة نقص.

3.البقرة (۲) : ۱۶۴ ؛ آل عمران (۳) : ۱۹۰ .

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    الموسوی، محمدتقی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 38021
صفحه از 476
پرینت  ارسال به