التزايد والنشو والنماء قوّةً وكمّا ، وأنّه لا يزيد في المقدار دون القوّة المنمية ؛ لأنّ المقدار أثر للقوّة ، وفاعله القريب هي القوّة النباتيّة المسخّرة للقوّة الحيوانيّة ، والإنسان يكون حينئذٍ طفلاً ، فهذه المدّة هي مدّة الطفوليّة .
والمرتبة الثانية أن يبلغ إلى كمال النشو من دون أن يحصل فيه نوع من أنواع الضعف . وهذه المرتبة لعلّها ۱ أشار إليها بقوله تعالى : « ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ »۲ ، وهو الأشدّ الصوري الذي لا يكون قوّته الحيوانيّة الظاهرة في وقت من أوقات عمره أقوى منها في هذا الوقت ، ويقال له : وقت الشباب ، وهو من ابتداء البلوغ الصوريّ إلى أوان انحطاط هذه القوّة .
والمرتبة الثالثة أن تراجع هذه القوّة لأجل توجّه الباطن بحدوث قوّة اُخرى من نوع آخَرَ فيه إلى النشأة الآخرة ، فيظهر أثر من آثار الضعف والنقص فيه ، ويتزايد بعده شيئاً فشيئاً . وهذه المرتبة المشار إليها بقوله تعالى : « ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا »۳ .
وهذه المراتب الثلاث مراتب العمر ۴ .
ولعلّ الظاهر منها سرّ كون الموت طبيعيّاً للإنسان ، وذلك بأن يقال : إنّ الإنسان بحسب الغريزة الفطريّة يتوجّه تجاه النشأة الآخرة ، ويسلك سبيل الحقّ تعالى راجعاً إليه كما نزل منه ، وكلّ حركة إلى غاية يجب وقوع المرور على منازلَ ومراحلَ متوسّطةٍ ، فإذا انتقل من كلّ طَوْر من أطوار هذه النشأة إلى الذي فوقه ، فبالضرورة ينتهي إلى آخر الأطوار الدنيويّة ، فإذا انتهى إلى ذلك الحدّ ، فلا يمكن الوصول إلى الذي فوقه إلاّ بالموت عن هذه النشأة بالكلّيّة ، والارتحالِ إلى أوائل النشأة الآخرة وما فوقها من القبر والبرزخ والحشر والنشر والعرض والحساب وغير ذلك .