85
الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)

التزايد والنشو والنماء قوّةً وكمّا ، وأنّه لا يزيد في المقدار دون القوّة المنمية ؛ لأنّ المقدار أثر للقوّة ، وفاعله القريب هي القوّة النباتيّة المسخّرة للقوّة الحيوانيّة ، والإنسان يكون حينئذٍ طفلاً ، فهذه المدّة هي مدّة الطفوليّة .
والمرتبة الثانية أن يبلغ إلى كمال النشو من دون أن يحصل فيه نوع من أنواع الضعف . وهذه المرتبة لعلّها ۱ أشار إليها بقوله تعالى : « ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ »۲ ، وهو الأشدّ الصوري الذي لا يكون قوّته الحيوانيّة الظاهرة في وقت من أوقات عمره أقوى منها في هذا الوقت ، ويقال له : وقت الشباب ، وهو من ابتداء البلوغ الصوريّ إلى أوان انحطاط هذه القوّة .
والمرتبة الثالثة أن تراجع هذه القوّة لأجل توجّه الباطن بحدوث قوّة اُخرى من نوع آخَرَ فيه إلى النشأة الآخرة ، فيظهر أثر من آثار الضعف والنقص فيه ، ويتزايد بعده شيئاً فشيئاً . وهذه المرتبة المشار إليها بقوله تعالى : « ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا »۳ .
وهذه المراتب الثلاث مراتب العمر ۴ .
ولعلّ الظاهر منها سرّ كون الموت طبيعيّاً للإنسان ، وذلك بأن يقال : إنّ الإنسان بحسب الغريزة الفطريّة يتوجّه تجاه النشأة الآخرة ، ويسلك سبيل الحقّ تعالى راجعاً إليه كما نزل منه ، وكلّ حركة إلى غاية يجب وقوع المرور على منازلَ ومراحلَ متوسّطةٍ ، فإذا انتقل من كلّ طَوْر من أطوار هذه النشأة إلى الذي فوقه ، فبالضرورة ينتهي إلى آخر الأطوار الدنيويّة ، فإذا انتهى إلى ذلك الحدّ ، فلا يمكن الوصول إلى الذي فوقه إلاّ بالموت عن هذه النشأة بالكلّيّة ، والارتحالِ إلى أوائل النشأة الآخرة وما فوقها من القبر والبرزخ والحشر والنشر والعرض والحساب وغير ذلك .

1.غافر (۴۰) : ۶۷ .

2.في المخطوطة : «لعلّ» ، ولا اسم لها .

3.الحجّ (۲۲) : ۵ .

4.تفسير الرازي ، ج۲۷ ، ص۸۵ .


الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
84

جملتها قوله تعالى : « وَ بَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ »۱ والإنسان بحصّة حيوانيّته المشتركة من الدوابّ والبهائم ، وإنّما يزيد عليها بفضيلة صورة اُخرى زائدة على الحيوانيّة بها يمتاز عن غيره .
ثمّ إنّ الفرق بين هذه الآية والآية التي نقلناها في كيفيّة خلقة الإنسان وتدرّجه في الأطوار أنّ الكلام في الاُولى كان من جهة الصورة ، وهاهنا من جهة المادّة ، فذكر اللّه هناك صورةً بعد صورة متدرّجة إلى الشرف والكمال إلى أن انتهت إلى صورة هي أشرف وأكمل من الصورة السابقة التي كلّها من أطوار هذه النشأة ، وهي آخر أطوار هذه النشأة وأوّل أطوار النشأة الاُخرويّة ، ولذلك أردف ذكره بقوله : « فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَــلِقِينَ »۲ ؛ تنبيهاً على أنّ في أطوار الخلق ليس شيء أحسن منه ، وله أطوار اُخرى داخلة في عالم الأمر .
ثمّ إنّه تعالى لمّا ذكر كيفيّةَ تكوّن هذا البدن من ابتداء كونه نطفة وجنيناً ، والنطفة متكوّنة من التراب ، فذلك التراب صار نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ بعد كونه علقة مراتبُ كثيرة إلى أن ينفصل من بطن الاُمّ الصغرى ، ويمكث في الدنيا التي هي بطن الاُمّ الكبرى ، ومقدار ذلك المكث وهو عمر دنياه ، كما أنّ تسعة أشهر ونحوَها كان مقدارَ مكثه في بطن اُمّه ، المستلزمِ لحركاته الكونيّة والكيفيّة .
وأمّا عمر الآخرة ، فلا نهاية له .
فترتّب هذا العمر على ثلاث مراتبَ حسبَ اختلاف استحالاته الكونيّة :
أوّلها : أن يكون طفلاً .
وثانيها : أن يبلغ أشدّه .
وثالثها : الشيخوخة .
وهذا ترتيب صحيح مطابق للعقل ؛ وذلك لأنّ الإنسان في أوّل عمره يكون في

1.البقرة (۲) : ۱۶۴ .

2.المؤمنون (۲۳) : ۱۴ .

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    الموسوی، محمدتقی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 38005
صفحه از 476
پرینت  ارسال به