95
الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)

مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ » 1 وهو في الحقيقة عبارة عن إيراد مثال جزئيّ محسوس لأمر كلّي معقول ، وذلك لأنّ أكثر الأفهام قاصرة عن الوصول إلى ماهيّة الشيء في مادّة محسوسة كمن لا يعرف حقيقة العلم فيقال له : إنّه مثل اللبن ؛ لأنّه غذاء للروح يتغذّى به الروح الناقص ويصير به كاملاً ، كما يتغذّى باللبن الطفل الناقص ويصير كاملاً ، وهو غذاء كلّه لبّ لا قشر له كاللبن لا نخالة فيه كما يمثّل القرآنَ بالحبل المتين ، والشرعَ بالقيد .
وبالجملة ، مثال الشيء ما إذا نُظر إلى صورته الظاهرة ، لم يكن إيّاه ، وإذا نظر إلى روح معناه وفحواه ، كان هو ذلك الشيءَ ، وأكثر ما في القرآن أمثال ضربت للناس ظواهرها حكاية عن حقائقها . قال عزّ من قائل : « وَ تِلْكَ الْأَمْثَـلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ الْعَــلِمُونَ » 2 .
والحاصل أنّه لمّا ظهر وجوده تعالى ووحدانيّته المقدّسة بالدلائل القادمة أراد عليه السلام إثباتها من قبيل ضرب الأمثال ، وذلك بأن يقال في تفسير هذا الكلام في هذا المقام : إنّ من له مملوك لا يصحّ كونه شريكاً في ماله ولا حرمة له كحرمة مولاه ، وما عداه تعالى تحت حيطة قدرته البالغة ومجعول جعله وتأثيره ، فكيف يكون شريكاً له في العبوديّة!
هذا مثالٌ ، ضرب لنفي شريكه في الإلهيّة والمعبوديّة .
ثمّ إنّ بين المثال والممثّل مشابهة من وجه ومخالفة من وجه بل من وجوه :
أحدها : قوله « من أنفسكم » يعني ضرب لكم مثالاً من أنفسكم مع بطلانها في جوهر ذاتها ونقصانها في قوام حقيقتها وحاجتها في حقيقة ماهيّتها إليه تعالى ، ومع ذلك قاس ذاته المقدّسة مع كماليّته وتماميّته وفوق تماميّته وغناه عنكم .
وثانيها : قوله « ما ملكت أيمانكم » 3 يعني أيديكم . ولمّا كانت اليد اليمنى أقوى

1.الروم (۳۰) : ۲۸ .

2.العنكبوت (۲۹) : ۴۳ .

3.النساء (۴) : ۳ و آيات اُخر .


الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
94

أقول : قال ابن عبّاس : كانوا يكرهون الزنا علانية ويفعلون ذلك سرّا ، فنهاهم اللّه عنه مطلقا ، علانية وغيرها ، ولكن الاُولى أنّ صيغة الجمع تتناول كلّ فاحشة ، سواء كانت زنا أو غيرها ۱ .
لعلّ من بطون معناه الكريم ـ واللّه ـ سبحانه أعلم : ولا تميتوا النفس المجرّدة التي حرّم اللّه موت ذاتها بالجهل ، وهو أعظم داهيةً من موت بدنها بهلاك الروح الحيوانيّة إماتةَ الجهالة والغواية ۲ .
ثمّ إنّه لمّا بيّن عليه السلام فضيلة العقل وكونه غاية خلقة الإنسان وأنّه تعالى ذكر آيات تدلّ على كون كمال الإنسان بمعرفة الحقّ وتوحيده ، ثمّ [إنّ] للجوهر المجرّد الإنساني قوّتين : نظريّة وعمليّة ، وكمال الاُولى إدارك المعقولات سيّما صفات الواجب الوجود بالذات ، وكمال الثانية بتهذيب النفس عن الأخلاق الرديّة والتقدّس عن الشوائب الخسيسة والتحلّي بالصفات والآثار الكماليّة ، فأراد عليه السلام أن يشير إلى أنّه كما أنّ غاية الفكر والنظر حصول العقل وتكميل الجزء النظري من العاقل ، فكذلك الغرض الأصلي والغاية الذاتيّة في فعل الواجبات وترك المحرّمات أيضاً إنّما هو حصول العقل والعاقل بما هو عاقل لا غير .
وجه آخر : أنّه عليه السلام لمّا ذكر الآيات التي وقع الحثّ فيها للعاقل على النظر ولم يذكر فيها العمل ، هناك مظنّة عدم احتياج الإنسان في تكميل ذاته وصيرورته عارفا باللّه وآياته إلى أن يعمل الصالحات وترك السيّئات ، فأتى عليه السلام بذلك ليعلم أنّ الكمال الإنساني كما يكون بالتحلية والتصوير يكون بالتخلية والتطهير .

قال عليه السلام : وقال : « هَل لَّكُم » 3 . [ ص14 ح12 ]
أقول : لمّا ذكر الآيات الدالّة على التوحيد ، فأراد ضرب المثل فقال : « ضَرَبَ لَكُم

1.تفسير الرازي ، ج۱۳ ، ص۲۳۳ ؛ تفسير الآلوسي ، ج۸ ، ص۱۱۲ .

2.شرح المازندراني ، ج۱ ، ص۱۱۵ نقلاً عن سيّد الحكماء .

3.الروم (۳۰) : ۲۸ .

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (العاملي)
    سایر پدیدآورندگان :
    الموسوی، محمدتقی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 37958
صفحه از 476
پرینت  ارسال به