أقول : قال ابن عبّاس : كانوا يكرهون الزنا علانية ويفعلون ذلك سرّا ، فنهاهم اللّه عنه مطلقا ، علانية وغيرها ، ولكن الاُولى أنّ صيغة الجمع تتناول كلّ فاحشة ، سواء كانت زنا أو غيرها ۱ .
لعلّ من بطون معناه الكريم ـ واللّه ـ سبحانه أعلم : ولا تميتوا النفس المجرّدة التي حرّم اللّه موت ذاتها بالجهل ، وهو أعظم داهيةً من موت بدنها بهلاك الروح الحيوانيّة إماتةَ الجهالة والغواية ۲ .
ثمّ إنّه لمّا بيّن عليه السلام فضيلة العقل وكونه غاية خلقة الإنسان وأنّه تعالى ذكر آيات تدلّ على كون كمال الإنسان بمعرفة الحقّ وتوحيده ، ثمّ [إنّ] للجوهر المجرّد الإنساني قوّتين : نظريّة وعمليّة ، وكمال الاُولى إدارك المعقولات سيّما صفات الواجب الوجود بالذات ، وكمال الثانية بتهذيب النفس عن الأخلاق الرديّة والتقدّس عن الشوائب الخسيسة والتحلّي بالصفات والآثار الكماليّة ، فأراد عليه السلام أن يشير إلى أنّه كما أنّ غاية الفكر والنظر حصول العقل وتكميل الجزء النظري من العاقل ، فكذلك الغرض الأصلي والغاية الذاتيّة في فعل الواجبات وترك المحرّمات أيضاً إنّما هو حصول العقل والعاقل بما هو عاقل لا غير .
وجه آخر : أنّه عليه السلام لمّا ذكر الآيات التي وقع الحثّ فيها للعاقل على النظر ولم يذكر فيها العمل ، هناك مظنّة عدم احتياج الإنسان في تكميل ذاته وصيرورته عارفا باللّه وآياته إلى أن يعمل الصالحات وترك السيّئات ، فأتى عليه السلام بذلك ليعلم أنّ الكمال الإنساني كما يكون بالتحلية والتصوير يكون بالتخلية والتطهير .
قال عليه السلام : وقال : « هَل لَّكُم » 3 . [ ص14 ح12 ]
أقول : لمّا ذكر الآيات الدالّة على التوحيد ، فأراد ضرب المثل فقال : « ضَرَبَ لَكُم